تتبعت خلال الأيام الماضية أداء الفضائية اليمنية الأولى كغيري من ملايين اليمنيين في الداخل والمهاجر، وقد تيقّنت هذه المرة أننا على درب العصر سائرون، وأن الخطاب الإعلامي يُغادر تلك اللغة المُتكلسة العجفاء والمخاتلة التي طالما كانت لصيقة الإعلام الرسمي يمنياً وعربياً أيضاً، الأمر الذي فتح باباً واسعاً لنجاحات الفضائيات المُغرضة، وكان من نتائجها قلب الحقائق رأساً على عقب، وإدخال الناس في ثقب إبرة ضيّقة مزاجها الموت والدمار والبكاء والعويل. لا أنكر ولا أحد بوسعه إنكار المتاعب الكبرى التي مرت بها البلاد في العقود الماضية، ولا أحد بوسعه حجب عين الشمس البادية للعيان، فاليمن الكبير تقلّص بالفساد، وتطاولت عليه الهموم. لكن ما أُنكره وينكره كل عاقل أن تلك المتاعب والاخفاقات لم تكن تمثل الصورة الحصرية والشاملة، وقد ثبت بالدليل القاطع، وخلال أشهر الأزمة الطاحنة أن ما لدينا من الاحتياطات الأخلاقية والثقافية والسلوكية تجعلنا قادرين على صُنع المُعجزات، وهذا ما كان، فلم نشهد خلال أشهر الأزمة تقاتلاً عدمياً إلى حد الفلتان التام، ولم تمنع تعدد المرجعيات ومتاهات بورصة الاستقطابات غير الحميدة.. لم تمنع هذه الظواهر حكماء البلد على تنوّع مرجعياتهم، وكثرة خلافاتهم من أن يقبضوا جميعاً على جمرة الصبر والمصابرة. لقد سجل اليمانيون مأثرة غير مسبوقة في زمن الربيع العربي، فلم تقع ذاكرتهم السياسية في مستنقع الاستقطاب المُطلق، ولم يتم الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة بتلك الطرائق المشينة التي سمعنا بها وشاهدناها في أكثر من بلد من بلدان الربيع العربي، ولم يتضوّر الناس جوعاً برغم توقف الخدمات والحركة التجارية، بل كان التعاون والتعاضد سمة غالبة في معادلة التوازن، وإعادة إنتاج الحياة الفيزيائية البسيطة . إعلام ما بعد حكومة الوفاق الوطني أحسن صنعاً بفتح ملفات الحقيقة، ومُكاشفة المواطنين بكل صغيرة وكبيرة. هذا ما حصل تحديداً من خلال المحاورات الحرة لوزراء الوفاق الوطني ومستشاريهم العليمين ببواطن الأداء في وزاراتهم، كما حدث على سبيل المثال لا الحصر في الحوارات الصريحة مع وزيري الخارجية والشؤون القانونية، وكما رأينا وتابعنا بمتعة ممزوجة بالألم حال الكهرباء في البلد. تهاني للأستاذ علي العمراني وزير الاعلام وفريق عمله الساهر على تقديم خطاب جديد وشفاف في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء. [email protected]