ربما شغلتنا السياسة عن إمعان النظر في حالة الفوضى الطبقية التي أصابت المجتمع، حيث لم تعد أركان الطبقة الوسطى قادرة على حمل الطبقة الراقية التي ثقلت موازينها فأدى ذلك إلى سقوط الطبقة الوسطى في قاع الطبقة السفلى لتظهر شريحة عريضة من الناس في المجتمع اليمني متلفحة برداء الفقر الذي لا سبيل لإخفاء معالمه إلا اجتثاث الطبقية كمبدأ ارستقراطي عابث والعودة إلى الشراكة العادلة في امتلاك الثروات، ولعل هذا لن يتحقق إلا بعد أن تفنى هذه الأمة الطيبة جوعاً ونكداً وكمداً! تحدث الكثيرون عن عقبات اقتصادية قادمة تستلزم التسلح بخطط مالية ناجحة من أجل تجاوزها، ولكن لي وجهة نظر مغايرة في هذا الأمر، إذ إن تلك الخطط ستفرض سياسة شد الحزام الذي انقطع على خواصر الجوعى وهم يشدونه يوماً بعد يوم، وبالمقابل ستترك الأغنياء من البشر يصولون ويجولون على رقعة الشطرنج النتنة التي زاوجت بين السياسة والاقتصاد ولم تعد تشترط وجود وزير لأنها لا تؤمن بموت الملك، أضف إلى ذلك أن هذه الرقعة الساقطة في وحل المصالح تهيئ الفرصة لوجود ملوك صغار إثر اختفاء الملك الكبير!! وهكذا فالمهم في الأمر أن الاقتصاديين في الوطن هم أنفسهم سياسيوه، فأين يذهب الجوعى إذا كان من يصفعك هو نفسه من يطعمك؟ نحن أمام سقوط اجتماعي للقيم والمبادئ والمثل، لأن الطبقة الوسطى التي كانت غنية بالمثقفين والمبدعين وأصحاب العقول النيّرة وقعت في مستنقع الفقر وأصبحت تبحث عن لقمة العيش بمخالبها وأنيابها، ومن هنا فقد المجتمع نخبته الراقية التي كانت تلقن أفراده معاني السمو والأدب والخلق الرفيع.. الطبقة الوسطى أصبحت من رعايا البلاط وكأننا سنعود من جديد إلى قصة «شاعر الملك» و«كاتب الأمير» و«عازف البلاط الملكي» ونسأل الله أن لا تمر علينا قصة «جواري الملك»! تلك الطبقة التي كانت قنديل المجتمعات الراقية وفنارها الذي لا يخطئ وبوصلتها التي تستطيع أن تحدد اتجاه ثقافتها وعمرانها وتغيير مفاهيمها النائمة في كهوف الجهل والتخلف فيها، تلك الطبقة أصبحت بحاجة إلى دليل وخارطة طريق تسترشد بهما إلى طريق العودة والتربع على عرش الرقي والعطاء والإبداع الفكري والاجتماعي، وهذا بالطبع لا يتحقق بالتصفيق والتصفير لذلك المبدع الذي حاز جائزة الغناء أو الآخر الذي نال جائزة الكتابة.. إنما نحن بحاجة إلى إعادة اعتبار لهذه الطبقة وتحقيق استقرارها الاقتصادي والبحث عن آلية تصريف وتسويق وتصدير لإنجازاتها المختلفة سواءً كانت ثقافية أو سياسية قادرة على التجديد والتطوير بما يخدم المصلحة العليا للوطن أو دينية تستطيع أن تحافظ على خصوصية المجتمع الأخلاقية بل وتمنح الأعراف والعادات والتقاليد حلة براقة جديدة محافظة ومواكبة للعصر في وقتٍ واحد. إن إعطاء فرصة الظهور لهذه الطبقة الاجتماعية المهضومة سيدفعها للعودة بهذا المجتمع إلى أوج الرقي الفكري والعطاء العلمي والأدبي، وسيخرج للمجتمع مبدعون جدد قادرين على فهم واقعهم الحضاري ومواكبته وتغيير منحى حركاته الرامية إلى تدمير الهوية العربية. إن قدرة الحاكم التي ألغت قدرة المحكوم زمناً لم يعد لها وجود اليوم وأصبح المسرح مفتوحاً لأصحاب السواعد المثقلة بالحديد وهذا سيخفي فلسفة الريشة والقلم إلى أجلٍ معلوم، لكن بعد هذا سيكون الأمر مفتوحاً لطرح خيارات اجتماعية متعددة أمام الحاكم وعلى سواعد المحكومين!