إن الفقر منحة إلهية للفقراء وإلا لما كان الفقراء أحباب الله.. أو الفقراء أحباب الرحمن.. ولولم يكن الفقر مرتبة صالحة لذمّه الله وأنبياؤه ورسله. ولكان الانبياء وعباد الله الصالحون أثرياء. وهذا القول لايعني أن الثراء عيب، وإنما هو امتحان من الله لعباده مثل الفقر «لنبلوهم أيهم أحسن عملاً» كانوا فقراء أو أغنياء أو حكاماً أو مستضعفين فالفقير الصابر كالغني الشاكر.. وكلاهما خير إن كانا من الصالحين أما إذا كان الفقير متبرماً من حكم الله فليس بصابر على أمره، وإذا كان الغني جاحداً فهو كناكر فضل الله عليه وكلاهما محاسبان على أفعالهما فلا الفقير ينتفع بفقره ولا الغني مستفيداً من ثرائه.. إن الصبر فضيلة عظيمة عند من يعرف فضيلته يوم يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.. والناس مطالبون بنصح بعضهم بعضاً حيال مايواجهونه في حياتهم من يسر وإعسار.. إننا في واقع إنساني اختلت فيه المعادلات وتراجعت فيه القيم لصالح من أوتوا القوة.. ولايقال ذلك إلا لأن العالم صار منقسماً بين أثرياء وفقراء كما هو حال دول الشمال والجنوب حالياً.. فدول الثراء تحكمت واحتكرت الثروة والعلم والقوة ونزعة الهيمنة، وعلى هدي هذه العوامل أباحت لنفسها أن تفعل مايحلو لها ولايهمها عواقب تصرفاتها كاذلال الشعوب والعبث بثرواتها ومقدراتها وانتهاك سيادتها ومواطنيها كما هو حاصل بكثير من مناطق العالم العربي والإسلامي والعالم المتخلف معهما، وكأن العالم طولاً وعرضاً من أملاك الأقوياء الخاصة، أما الضعفاء فليس لهم إلا الانصياع لأوامرهم أو أصبحوا عرضة لعقوباتهم، حيث لاحقوق الإنسان ولا المواثيق الدولية ولا الأعراف الإنسانية تشكل أو توفر حصانة لضعفاء العالم من جبروت أقويائه. إن تعطيل القوانين الربانية والقوانين الوضعية الإنسانية لهو تصرف أحمق من قبل من يظنون «كالغرب الاستعماري» أن ذلك يوفر لهم مناخاً آمناً فيما هو يرتد عكسياً على تصرفهم ذاك، وقد جربوا خيارات عدة فما أفلحوا لأن وسائلهم اللاإنسانية فشلت في تحقيق أهدافهم الآنية والبعيدة المدى، فلقد كان في حساباتها أن الدول الفقيرة الضعيفة ليست إلا مرتعاً سهلاً لها فوجدتها في حقيقة الأمر حقولاً شائكة يصعب ترويضها وفق المشيئة الاستعمارية.. فالدول الثرية بدلاً من أن تعمل على توفير مناخ إنساني صالح للتعايش الإنساني حتى وفق مواثيقها حولته إلى جغرافيا مستباحة أرضاً وإنساناً، فحصدت بفعلها المخزي أسوأ النتائج السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية والحضارية، فلا حوار الحضارات والأديان والثقافات أجداها نفعاً، ولامنطق القوة حقق مبتغاها.. أي أنها جعلت من السلم العالمي مطية لكل هواة الظلم والاستغلال والاستبداد والتخلف والمتحضرون معهم يمارسون أسوأ الألاعيب الشيطانية، فصار الظالمون يتبارون ومن ثم يتساءلون أينا أشد ظلماً المتخلفون أم المتحضرون؟؟ حتى أضحت الإنسانية تتساءل ببراءة الساذجين: ترى أين غابت العدالة الإنسانية؟؟ حيث لا الأول المتحضر بأفضل من الثاني المتخلف وليس الثاني بأحسن فعلاً من زميله الأول.. وكأن الحياة الإنسانية آذنت لنفسها بالعودة إلى مجاهل القرون الوسطى حيث الكل غدا قدوة سيئة لبعضه بعضاً في شنيع التصرفات وأقبحها. ترى لو تعاون العالم المتحضر والمتخلف لحل قضايا التنمية كالفقر والمجاعات والجهل الاجتماعي والتخلف الاقتصادي والعلمي ماذا ستكون النتيجة؟؟ والجواب: سيتلاشى التفاوت الطبقي، سيتراجع الفقر، سينتشر العلم والممارسات الحضارية الراقية، سيكون العالم واحة آمنة بأجمعه، سيصير العالم أكثر عدلاً وتفاهماً وإنسانية سيصبح العالم مكاناً يستحق أن يُعاش فيه لاحقل تجارب بين المتناقضين والمتحاربين.. بل سيصبح أكثر جمالاً وصفاء ومحبة. هذا شارب شمة قال رجل لنفسه ذات يوم: لو كنت من موظفي الأممالمتحدة لما وافقت على قرارات الغزو ضد العراق. ولو كنت في الجامعة العربية لطالبتها بتعميم اللغة العربية على كل أعضائها، لأن كل عضو له لهجة خاصة لايفهمها سواه. ولو كنت في الاتحاد الافريقي لطالبت أعضاء المنظمة معاقبة الفقر بأن أفرض على الأعضاء والأثرياء مساندة الفقراء حتى لايبقى فيهم فقير يتضور جوعاً وهم يتفرجون عليه بشماتة. ولو كنت عاملاً في المنظمات الإنسانية بأفغانستان لأعطيت فقراءهم خبزاً ودفتر قراءة وكتابة ودواء لمرضاهم. ولو كنت ممن يسمع الناس كلامهم فيطيعونهم لقلت لساسة العالم: لماذا لاتدخلون في أذهانكم أسلوب الرياضة في أمور السياسة حيث يتقبلون الانتصارات والهزائم بكل ترحاب وليت الساسة كالرياضيين!!. كان الرجل يتكلم مع نفسه وبصوت مسموع، وكان له جار يصغي لما يقوله الرجل، جاء رجل آخر يسأل السامع من هذا؟ ماذا يقول؟ أجاب الرجل: هذا شارب شمة!