علاقة الدولة بالقبائل في اليمن ليس كمثلها علاقة في سائر دول العالم التي عرفت مسمى القبائل, لأنها القبائل عالمياً مختلفة تماماً عن هذه التي عندنا في كل شيء من النشأة والتكوين والأعراف والثقافة والوعي وصولاً إلى علاقتها بالنظام والقانون والدستور والدولة. على مرّ العقود والعصور وبالأخص في التاريخ الحديث ونحن نقرأ ونسمع ثم هانحن نشهد ونشاهد سيطرة القبائل على الدولة بصورة أو بأخرى, ونشاهد في نفس الوقت حرب القبيلي والقبائل على الدولة إلى درجة أن مقدرات ومقومات الدولة وهي تواجه اعتداءات القبائل عليها صارت عملاً عادياً ومشكلة معتادة، لأن المعتدي قبيلي وخلفه قبيلة وخلف القبيلة قبائل, وبالتالي لابد من مراضاة المعتدين وهكذا في كل المشكلات. لقد تحولت القبائل اليمنية إلى قبائل مدلّلة من الدولة, ولها مصلحة شئون ترعاها وهو ما لم يحدث في دولة من دول العالم ولن يحدث أبداً.. وتحولت المواطنة إلى درجات بسبب نفوذ القبيلة في الدولة وتعطلت الحدود الشرعية والقوانين بسبب التمايز الاجتماعي، لأن القاتل القبيلي ليس بالضرورة أن يُقتل إذا قتل غيره عمداً, وإذا كان المقتول قبيلياً والقبائل درجات فلا شيء سوى تسليم القاتل ولو كان القتل خطأً, وقضايا كثيرة ينجم عنها قطع الطرقات وحصار المنشآت وأخذ رهائن وخلف كل عمل من هذا النوع يقف ”قبيلي”. بالتأكيد هناك من يحترم النظام والقانون والدولة وعلى درجة عالية من الوعي والثقافة السليمة وهو في المسمى العام ”قبيلي”, لكن الغالب الأعم ليس كذلك. حين تجد طريقاً مقطوعاً فاعلم أن وراء هذا العمل قبيلي, وحين تنطفئ الكهرباء يأتي بيان وزارة الكهرباء أن مجموعة قبلية مسلحة هاجمت أبراج الكهرباء.. وحين ترى مجاميع مسلحة تحاصر محكمة فاعلم بأنهم من قبيلة ترى أنها فوق القضاء والقانون والدستور. وحين نسترجع الأحداث ونفكر في الأسباب التي أدت إلى كراهية بعض أبناء المحافظات الجنوبية للوحدة سوف نجد أن قبائل ”الفيد” كانت السبب الأكبر في ذلك، ثم سلوك الغطرسة والتعالي الذي مارسه ويمارسه البعض استناداً على كونه قبيلياً ولا شيء يعلو فوق صوت القبيلة. القبائل صارت اليوم أكثر تسليحاً وأكثر تطاولاً على الدولة، وما لم تكن سياسة الدولة في مصلحة المشايخ وأصحاب النفوذ القبلي فلن تقوم لها قائمة ولن يستقر لها حال. في الآونة الأخيرة وخلال شهور الأزمة أو الثورة استفادت العناصر القبلية دون غيرها وانفتحت لها الأبواب والخزنات المالية وارتفع سعر ”القبيلي” في بورصة الأزمة من الحصبة إلى الفرقة الأولى مدرع إلى السبعين وأماكن أخرى لا نعلمها نحن لكنها تؤدي نفس المهام, وكله على حساب دولة وشعب. المهم أن العناصر القبلية وجدت لها عملاً في ظل الصراعات والانقسامات، بينما الدولة عاجزة عن صرف مستحقات موظفيها وهي تناشدهم التحلي بالصبر تقديراً للظروف المالية الصعبة التي تمر بها, فهل سيصبر القبيلي لو طلبوا منه الصبر..؟!!