هذه البلاد لن تعرف العافية إلا إذا قرأت على رأسها آية الكرسي. لكن, كيف لنا أن نعرف رأسها من قدمها ونحن لم نعرف بعد رأسها من رئيسها؟. من المؤكد أن علماء السياسة سيعلنون قريباً إخفاقهم في فهم الحالة المستعصية لليمن. أحدث الاختراعات والمبادرات فشلت في كبح جماح التدهور: الانفلات الأمني يهرول إلى الأسوأ, والسيارات المفخخة باتت تنافس أعداد الدراجات النارية. هذه البلاد لم يكن يحكمها نظام حتى نتحدث عن فلول, هي من تخلط الأوراق الآن, وتصنع الضجيج. لو أن من كان يحكم اليمن نظام - ككل أنظمة العالم - لسقط بثورة شعبية سلمية, لم ولن تشهد اليمن في الأزمنة القريبة شبيهة لها, ولو كان يقودها رئيس مثل أولئك الأشخاص الأسوياء الذين يرأسون الدول عند فوزهم في الانتخابات ويعودون لتربية أولادهم أو دجاجهم بعد انتهاء فترات الدستورية لاختفى بعد نجاح الانتخابات الرئاسية المبكرة, وعرف أنه أصبح لا شيء في حياة اليمنيين. “آخر العلاج الكي”, مقولة غالباً ما يرددها الساسة والعسكريون عندما يواجهون ظاهرة مستعصية, لكنها لن تجدي نفعاً مع الظاهرة اليمنية. عندما يواصل نظام - سقط شرعياً بارتكابه لمجازر وحشية ضد متظاهرين عُزّل, وسقط أخلاقياً بتوجيه عناصره بضرب النساء ورش المتظاهرين بمياه المجاري, وواصل سقوطه المدوي بقصف الأحياء السكنية, وقُضي عليه في انتخابات رئاسية ركلته برقم ساحق – ممارسة هوايته المفضلة في تنغيص حياة الشعب - رغم كل ما سبق, وبعد مرور شهر من انتخابات رئيس جديد - فما علينا سوى الإقرار أن بلدنا العظيم مُبتلى ومصاب ب”مس سنحاني”. كان علي عبدالله صالح يكرر دائماً أن حل الأزمة اليمنية من الداخل, وصدق في هذا, لا رضي الله عنه. المبادرة الخليجية لن يكون بمقدورها معالجة المعضلة اليمنية. السفير الأمريكي لن ينجح في إخراج اليمن من أزمته حتى لو اشترى 24 ساعة إضافية فوق ال24 المقررة له، إلا إذا استعان بمعالجي قرآن كريم, يقرأون على رأسها, ويخلصونها من «مس سنحاني خبيث»، والأرواح الشريرة لا تشمل كل سنحان، بل أفراد العائلة وأذرعها القاتلة من القيادات العسكرية الملطخة بدماء الأبرياء. سيقولون: علي عبدالله صالح مازال فارضاً نفسه عليهم, يتذكرونه, حتى بعد أن سلم السلطة. نعم, هو مفروض علينا. الأرواح الشريرة لا يبحث عنها الناس ب” البلوتوث”, بل تتلبس الرؤوس, كما يتلبس هو رأس اليمن. السلطة ليست مبنى ولا موكب رئاسي أو هيلمان. تسليم السلطة يعني أن تترك للشعب - الذي وضع أصابع إبهامه في عين نظامك - تقرير مستقبله, لا أن تواصل التحكم فيما سيقرره.. ما فائدة أن يسلم صالح دار الرئاسة للرئيس الجديد في وقت يوجّه فيه بلاطجته بمحاصرة منزل الرئيس الجديد؛ بحجة اندلاع ثورة ضد قائد الفرقة الأولى؟. ما جدوى أن يُسلم العلم الجمهوري للرئيس هادي، وتواصل أجهزة نظامه البائسة تضليل الناس واختلاق الكذب؛ بتوزيع قرارات بليدة عن تعيينات عسكرية في صفوف الحرس، ويقولون: إن الرئيس الجديد هو من أصدرها؟. التصرفات الأخيرة لصالح وأنصاره لا تثير الغرابة بشكلها المستفز, الأغرب فقط هو أن الرئيس هادي قد تحوّل إلى هدف جديد لهم. كان صالح يتوقع أنه سيسلم السلطة، لكنه سيظل الرئيس من الباطن, لكن توقعاته خابت. رفض الرئيس هادي الاستماع إليه, وعدم حضوره اجتماعات اللجنة العامة للمؤتمر, زاد من سُعاره, فما كان منه إلا أن وجّه بمحاصرة منزله, وتسريب قرارات كاذبة تحت اسمه. *** “مكتب الزعيم: لا خروج من الأزمة إلا برحيل أسبابها خارج البلاد”. هكذا فجّرت وسائل الإعلام بياناً ناسفاً قبل يومين.. عندما قرأت الخبر, كنت أتمنى أن أرد عليه ب”ضحكة” دون فرامل. أكتب مقالاً أوله هاء, وآخره هاء, كما نصنع في الفيس بوك. في الخبر, لم تضحكني كلمة “الزعيم”, فأنا أعرف أنه إن قُدّر لعلي عبدالله صالح أن يكون زعيماً, فلن يدوّنه التاريخيون سوى أنه كان زعيم عصابة. الظريف فقط أن الخبر ذكرني بمقولة صديق عزيز:”مشكلة اليمن رئيس مش مصدق أنه لم يعد رئيساً”.. هذا الخبر بمفرده، نريد إجابة عليه من الذين يقولون : “الراجل سلّم إيش عاد تشتوا منه”؟. لا نريد منه شيئاً, نريده أن يجلس في منزله, يصلي ويصوم, ويستقبل عبده الجندي وحمود الصوفي 5 مرات في اليوم والليلة, إن كان وقته يسمح, لكن”لا يتفاضل” فيما لا يخصه. هو مواطن عادي, مثله مثل “محمد هزبر”, فلماذا يرهق جسده المنهك في أشياء لا تخصه؟ إلا إذا كان يعترف بأن الشياطين العشرة - وهو على رأسهم - هم سبب بلاء اليمن, وليسوا سبب اندلاع الثورة. فمن أسقطه أكثر من 6 ملايين شخص أطاحوا بحكمه لا 10 أشخاص.. تخيلوا, من يريدون له أن يكون زعيماً, يبحث عن اتفاق مطمور, يساوي فيه نفسه ب”هاشم الأحمر”. كما صنع من حميد وصادق وحسين زعماء. عندما كان يخرج كل ليلة يقول: إنهم من يريدون رحيله, وليس الشعب, يريد الآن أن يصنع من “هاشم”, و”منصور الحنق” زعماء. هذا هو زعيمهم؛ زعيم الشياطين الحمر. لا أدافع عن أحد. ليرحلوا جميعاً, غير مأسوف عليهم. ليرحلوا إلى ما خلف الشمس, لكن بشرط أن يتقدمهم الزعيم الأغر. يتعين على صالح أن يفهم جيداً أن “القطار فاته”, وأن الأصوات النشاز الصادرة من أتباعه “غير مقبولة”, كما كان يصم آذاننا قبل عام. لا يُعقل أن يطالب برحيل أسباب الأزمة من البلاد بمقابل رحيله هو من السلطة فقط, وليس اليمن, ومن حياتنا. اليمن بحاجة لطرد كافة الأرواح الشريرة وليس الشياطين, والإبقاء على زعيمهم الذي يتفنن في صناعة “الدوشة”.. من يضمن لنا أن الرجل لن يخرج لنا يوماً بقوائم جديدة من عشرة أشخاص, أو مائة؟. من يضمن لليمن السلامة من رئيس مخلوع كان يصف شعبه بأنه “قنبلة موقوتة”, وعندما أطاح به ذاك الشعب, تحوّل هو إلى”عبوة ناسفة”, تنفجر بالتقسيط في محافظات الشرق والغرب؟. من يضمن لليمن العيش الهادئ من رجل يتعامل مع البلد كما لو أنها واحدة من شقق سكنية تخصه, أجرّها للموظف عبدربه منصور هادي, واقتصرت مهمته الآن على توجيه نصائح للمستأجر؟. من يضمن لنا عدم حدوث أجزاء جديدة من مجزرة جمعة الكرامة, التي ستظل وصمة عار في تاريخ الذين منحوا منفذيها حصانة, أخذها كي يقتل أكثر؟.. نريد من السفير الأمريكي “ضمانة لمدة عامين” فقط. وبعدها سيتكفل اليمن الجديد بطرد كل الأرواح الشريرة من أراضيه الطاهرة, فهناك أياد جندت نفسها الآن من أجل الانتقام من اليمن فقط. هناك من يريد خنق مستقبلنا بماضيه البائد وحقده المريض. هذه حقيقية, ولا تمت بصلة لما يصفونها بالمكايدات الحزبية. [email protected]