أرتفعت أصوات وظهرت مبادرات متواضعة لتحديث وتجديد المؤتمر الشعبي العام الذي أعلن عنه سنة 1982م من منصة الحاكم العسقبلي؛ بهدف مواجهة الحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب وقائد الجبهة الوطنية في الشمال، وذلك بحشد كل المتناقضات السياسية والاجتماعية والمذهبية في بوتقة واحدة وشرعنة الحرب ضد الجنوب وضد التعددية الحزبية والحريات, غير أن عتاولة العسقبلية الذين أحكموا السيطرة الأسرية على منظومة سلطة الدولة الطائفية المتخلفة والمعادين عداءً سافراً للمدنية والحداثة والتعدد الحزبي والحزبية بصورة عامة خنقوا هذه الأصوات والمبادرات، وحالوا دون البدء في المسار الصائب الذي تفرضه قضايا العصر. وبسبب الهيمنة العسقبلية الفاشية الفاسدة على المؤتمر الشعبي العام تحوّل عضو المؤتمر الشعبي إلى ملحق في فرقة (كومبارس) يؤدي دوره عند الحفلات ثم يتوارى وراء ستائر داكنة، مكتفياً بفتات الأموال والامتيازات, وتحول المؤتمر إلى مقهى يرتاده كل من له مصلحة شخصية أو طموح في الوجاهة أو طمع في الفساد وتهور في الاستبداد والانتقام. وخلال (30) سنة اكتسب المؤتمر الشعبي رصيداً كبيراً من موالاة القوى التقليدية وأفكارها السياسية المتخلفة ورصيداً كبيراً من العبودية والصنمية للعسقبلية الحاكمة، على الرغم من هبوب رياح تغيير كثيرة بعد 22 مايو 1990، إضافة إلى سمعة سيئة. وبسبب الوصولية والانتهازية والعبودية والصنمية لعديد من منتسبي المؤتمر الشعبي العام غابت وقفات المراجعة والنقد لأداء الهيئات القيادية والوسطى والقاعدية, وغابت الضوابط وطغت على السطح عناصر تنقصها الكفاءة التنظيمية والسياسية, خاصة إذا علمنا عن تلك الطرق السيئة في الاستقطاب الحزبي، والتي أدت في آخر المطاف إلى التفكك التنظيمي والخسارة السياسية، والتي استدعت إلى العملية السياسية مفردات الاجثتاث، وعدم المساهمة في انتشال المؤتمر من كبوته الحالية، والتي إذا ما غذا السير في طريق التحديث والتجديد سوف يجد نفسه في خبر كان، وسينفض من داخله ومن حوله كل الذين لم تعد مصلحتهم مرتبطة بوجوده. والسؤال هو: لماذا الدعوة لتحديث وتجديد المؤتمر الشعبي العام الآن؟ ولماذا تأتي من خارج إطاره؟ وهل لتلك الدعوة ضرورة؟. ليس سيئاً أن تأتي الدعوة من شخص/ أشخاص من خارج مكونات المؤتمر لتصويب سلبيات مرحلة ماضية، دامت ثلث قرن، وتقديم رؤية لإحداث نقلة نوعية أو الانعطاف نحو المسار الأكثر ملاءمة, (هي دعوة للنقاش) وهذه الرؤية استباقية لما قد يحدث من سلوكيات سلبية إقصائية، خاصة وأن هناك قوى سياسية متربصة تنتظر سقوط الثور لتعمل سكاكينها في رقبته, وهذا يقودنا إلى ضرورة طرح الموضوع الآن؛ حفاظاً على التوازن السياسي وتوازن القوى الذي إذا اختل، فستكون الكارثة الثقافية والسياسية.. والمؤتمر الشعبي العام - لكي يصوّب مساره - عليه ابتداءً الاعتراف أن العوائق كانت سافرة، ولكنه لم يرغب في تحديها وتجاوزها، وظل يعمل وفقاً لمبدأ الإذعان للأوامر العسقبلية وللعبودية المالية والصنمية الشخصية، ومن أجل الانتقال إلى الكائن الحزبي من الأهمية بمكان اتخاذ الخطوات التالية: أولاً: تشكيل لجنة لمراجعة ونقد الأداء التنظيمي، وهي اللجنة التي ستعمل على مقارنة النظام الأساسي، وعما إذا كان خضع للتحسين والتطوير النظري والتطبيق العملي والمعايير المستخدمة في الانتخابات التنظيمية والتعيينات الفوقية، وما هي الأضرار التي لحقت بالعمل التنظيمي؟. إن المؤتمر الشعبي - وبسبب ما جرى له منذ مطلع العام الماضي - معني بعضوية منتسبيه من خلال الاستمارة الحزبية وتطبيقات النظام الأساسي، والتي سوف تحدث نقلة مهمة في المنظومة الذهنية للأعضاء الذين استقطبهم المؤتمر عبر الترغيب بالمال والوظائف والترهيب, وسوف تقدم المراجعة بل سوف تكشف كثير عيوب ساهمت في الوصول إلى حافة الهاوية، وأن الحزب الذي لا يقوم بالمراجعة والنقد لأداء مكوناته فإن الظروف المتجددة كفيلة بإنهاء أهليته، وبهذا الصدد فإن سرعة وجدية وكفاءة القيام بهذا العمل سوف يمد التنظيم بحياة جديدة تجنبه كثيراً من المصائب والوقائع السلبية وتصفية الحسابات. ثانياً: وبموقف المراجعة والنقد ستكون خيارات المعايير لاستقطاب الأعضاء والقيادات قد طرحت للتداول النظري والأخذ بها عملياً في إطار التنافس القانوني والنزيه داخل العملية السياسية، فهناك أمر جاد وصارم، وهو تطبيق قانون الأحزاب فيما يخص العسكريين والأمنيين، والاستغناء عن الأمناء المساعدين ورفض كلي للتعيينات القيادية من الأعلى. إن الانتقال إلى الحزب السياسي - وخاصة عندما يكون المؤتمر الشعبي العام هو الموضوع - يكون مكلفاً، ويترتب على ذلك جرأة وحزم؛ فكثير من أعداء المدنية والوصوليين والانتهازيين سوف يبحثون عن ملجأ لهم ويتحولون إلى أعداء للمؤتمر ولكل عمل عظيم فيه تضحيات تليق به.