فاقمت حرب صيف 94 مشاكل اليمن السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخلقت مشاكل إضافية، ولكن هذه المشاكل القديمة منها والإضافية ترجع إلى جذر واحد هو غياب الدولة الحديثة. إن تحقيق وحدة وطنية حقيقية وراسخة وتنمية اقتصادية واجتماعية يتطلب وجود الدولة المدنية الحديثة التي يتحول المجتمع - في ظل سيادة قوانينها - من مجتمع قبلي إلى مجتمع مدني حديث، والتي تفرض المساواة الصارمة بين المواطنين، وتُخضع موظفي الدولة للرقابة والمحاسبة الفعالة. الدستور والقوانين 1. ضرورة أن تتضمن الجمعية التأسيسية - التي سوف تضع الدستور - ممثلين لكافة التيارات السياسية والقوى الديمقراطية المجتمعية كالنقابات المستقلة والجمعيات الأهلية وممثلي التيارات والطبقات الاجتماعية والمصالح المختلفة، وكذلك ممثلين لكافة الأقليات والجماعات المختلفة دون أي تمييز. 2. العمل على أن يكون الدستور معبراً عن التوافق الاجتماعي، بما يحقق له الثبات والاستقرار ويبعده عن تحديد التوجهات الاقتصادية والسياسية التي يكون أمر حسمها متروكاً لصناديق الانتخابات التي تحدد الحكومة التي ترتضيها الجماهير في فترة زمنية بعينها أياً كانت فلسفتها الاقتصادية والاجتماعية. 3. أن يتضمن الدستور قواعد تحمي التعددية الحزبية، ومبدأ الفصل بين السيادة وسلطة الحكم، وبين الحزب الحاكم والدولة. والديمقراطية كوسيلة من وسائل انتقال السلطة وتداولها، حيث يصنع القرار من طرف الأغلبية المفرزة بواسطة الانتخابات والملزمة باحترام الدستور ويبقى للأقلية حق الاعتراض البناء والتوسع في مبدأ الانتخاب الحر المباشر لكافة المواقع الهامة والمؤثرة في حياة المواطنين. ومبدأ أن تكون كافة المناصب المنتخبة مؤقتة. وأن يتم تشكيل مفوضية محايدة مستقلة تشرف على الانتخابات وتكون لها الولاية على كل الإجراءات المرتبطة والمتممة للعملية الانتخابية. 4. قيام الدستور على مبدأ المواطنة الكاملة والمتساوية، التي تكفل الحريات الفردية والعامة، واستقلال كافة الأنشطة المجتمعية عن هيمنة الدولة، وضمان اللامركزية، فضلاً عن خضوع الدولة للقانون، وإخضاع كافة المؤسسات العامة للرقابة البرلمانية وعلى رأسها الأجهزة الأمنية وباقي المؤسسات التي يمكن أن تؤثر في حريات المواطنين. 5. إقامة نظام برلماني؛ باعتباره الأنسب للمرحلة التي تمر بها البلد؛ لأن النظام الرئاسي يعيد تكرار نموذج تركيز الحكم في مؤسسة رئاسية بالغة السطوة. 6. إخضاع مؤسسات الدولة لرقابة البرلمان والجهاز المركزي للمحاسبات وباقي الأجهزة الرقابية للدولة. 7. هيكلة القضاء وفرض أن يكون القضاة مدنيين مؤهلين غير أمنيين، وألا يكونوا من مخرجات وتأهيل أي حزب أيديولوجي ديني أو غير ديني، مع كفالة الحماية الكاملة لاستقلال السلطة القضائية، وأن يستقر مبدأ حظر المحاكمة أمام المحاكم الخاصة أو الاستثنائية أو محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، مع إلغاء كافة صور القضاء الاستثنائي. 8. إعادة هيكلة إعلام الدولة – المملوك للشعب اليمني كله - لكي يخرج من سيطرة الحكومة، ويصبح تحت إشراف هيئات عامة مستقلة. 9. إجراء مراجعة شاملة للقوانين السياسية، بدءاً بالقوانين الأساسية التي تحكم المؤسسات السياسية والاجتماعية، بما يكفل تحقيق مبادئ الديمقراطية الاجتماعية، وبالذات ما يتعلق بحرية تأسيس الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني وإطلاق حرياتها في مزاولة نشاطها دون قيد أو تدخل من الدولة، ورفع القيود الإدارية التي تحد من حريتها. 10. إلغاء كافة التشريعات التي تميز بين المواطنين من النساء والرجال كما في قانون الأحوال الشخصية، وقانون العقوبات وقانون العمل، وغيرها من التشريعات التي ترسخ التفرقة وتقننها. 11. إنشاء مفوضية مستقلة للانتخابات تشرف على كافة العمليات الانتخابية المحلية والبرلمانية والرئاسية. 12. تأكيد مبدأ الانتخابات في كل مراحل العمل السياسي والاجتماعي في اليمن، بما يعمق الممارسة الديمقراطية ويجعل الشعب مناط الاختيار. الحقوق الأساسية: 1. العمل على أن يوفر الدستور اليمني أوسع الضمانات لحماية حريات الفكر والاعتقاد والتعبير والتنظيم وإطلاقها بغير قيد أو شرط، إلا بما يمنع الاعتداء على حقوق الآخرين المشروعة والتي يحميها الدستور، ومن خلال محاكمات عادلة وقوانين غير استثنائية، وتنقية التشريعات اليمنية من القوانين والقرارات التي تتعارض مع هذه الحقوق الأساسية. وإطلاق حرية الصحف والنشر بكل أنواعها وحرية التعبير من خلال المجال الافتراضي للإنترنت، وذلك بغير قيد أو شرط إلا ما يمنع الاعتداء على حقوق الآخرين المشروعة، وإلغاء وزارة الإعلام وتحويل ملكية أجهزة الإعلام المملوكة للدولة من ملكية للحاكم إلى ملكية للشعب، وذلك من خلال إنشاء مجالس أمناء للمؤسسات الإعلامية مستقلة استقلالاً كاملاً عن أجهزة الدولة، وخاضعة للرقابة البرلمانية فقط من حيث تشكيلها وميزانيتها، وترسيخ حق إصدار الصحف بالإخطار دون الحاجة إلى ترخيص. 2. ضمان حق المواطنين في الحصول على المعلومات وتحقيق أقصى الشفافية في عملية صنع القرار على كافة المستويات وفي عمل أجهزة الدولة كما في القطاعين الخاص والأهلي، وذلك من خلال استصدار التشريعات المناسبة لتوفير الحق في الحصول علي المعلومات ولإلزام أجهزة الدولة على توفيرها بسهولة ويسر ودون معوقات، بما يشمل فرض العقوبات على تلك الأجهزة في حال عدم الاستجابة، وذلك بما لا يخل بالأمن الوطني ووفقاً لمعايير يتفق عليها مجتمعياً وتخضع لإشراف البرلمان. 3. التجريم التام للتعذيب ولكافة صنوف الإيذاء البدني والمعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو الحاطة للكرامة، وصيانة حرمة الجسد، وترسيخ المبادئ الدستورية التي تمنع التعذيب واستصدار التشريعات التي تجرمه والنص على عدم سقوط جرائم التعذيب بالتقادم، وإنشاء جهاز رقابي مستقل ومسؤول أمام الشعب، ويتمتع بكافة حقوق التحقيق والضبطية القضائية ليختص بالرقابة علي ممارسات أجهزة الأمن وأقسام الشرطة والسجون والتفتيش عليها، وذلك ضماناً لالتزام تلك الأجهزة التام باحترام حقوق المواطنين وبالقواعد الدستورية والقانونية لإجراءات التحقيق والضبط والتحفظ على المشتبه فيهم أو المتهمين في جرائم أو المحكوم عليهم، واحترام حقوق المسجونين من حيث توفير أماكن احتجاز تتفق مع المعايير الدولية من حيث النظافة وتوفر الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية، وتوفير المرافق والأنشطة اللازمة لإعادة تأهيل السجين وتقويم سلوكه. 4. تأكيد حق منظمات حقوق الإنسان والجمعيات الأهلية والشعبية في الرقابة على ممارسات أجهزة الأمن ومختلف الأجهزة الحكومية وغير الحكومية المعنية بالحقوق الأساسية للإنسان وإلزام أجهزة الدولة المختلفة بالتعاون مع تلك المنظمات وتوفير المعلومات التي تحتاجها لتأدية مهماتها، والتحقيق الجاد فيما تقدمه من شكاوى وبلاغات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان. 5. استكمال انضمام اليمن لمختلف العهود والاتفاقيات الدولية والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان التي لم تنضم إليها بعد، وتطبيقها بما يحقق الغرض والفلسفة منها، واعتبار القانون الدولي لحقوق الإنسان - بما يشمله من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين للحقوق السياسية والثقافية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية - التزاماً فوق دستوري وأساساً قيمياً غير قابل للتفريط. صيانة وتوطيد دعائم الوحدة الوطنية والمواطنة ضرورة تطبيق الديمقراطية بمعناها الصحيح، أي حق الممارسة السياسية وكفالة الحريات العامة للجميع، وعلى قدم المساواة. اختزال الديمقراطية في حكم الأغلبية، بغير هذه الضمانات يعني حق أية أغلبية تنشأ في التنكيل بالأقليات والانتقاص من حقوقها، ويؤدي إلى خطر قيام مجتمع معاد واقعياً للديمقراطية والحريات. ولذلك كان طبيعياً أن يعمل النظام على استخدام التنوع المذهبي والفئوي والقبلي والمناطقي وسيلة لإثارة الشقاق والتآمر على الشعب لتجزئته وإشغاله في صراعات طائفية وجهوية ومناطقية وقبلية مقيتة؛ حتى لا يلتفت إلى مصلحته المشتركة في النهوض صفاً واحداً في مواجهة ذلك النظام. من هذا المنطلق نؤمن بضرورة تحوّل اليمن إلى دولة فيدرالية اتحادية تتكون من أربعة أقاليم: شمالية، وجنوبية، وشرقية، وغربية، ونؤكد ونشدد على أن الوحدة الوطنية شرط أساسي لاستكمال تحقيق أهداف الثورة، وندرك أن تحقيق هذه الوحدة يتطلب نضالاً شاقاً متواصلاً؛ نظراً لثقل الميراث الطائفي من الديكتاتورية البائدة وتغلغل الطائفية والمناطقية في المجتمع اليمني. وفي هذا الصدد نرى ما يلي: 1. التمسك بالمواطنة المتساوية وسيادة الشعب بحيث يشكلان المبدأ الدستوري الأعلى الحاكم لكل مواد الدستور، ولكل المؤسسات الدستورية للدولة الاتحادية، وما يتفرع عنها من مؤسسات عامة وخاصة. 2. تحقيق العدالة الكاملة أمام القانون لكافة المواطنين، بغض النظر عن النوع أو الطائفة أو الدين أو الانتماء الإقليمي. 3. عدم إقحام المؤسسات الدينية في الحياة السياسية بما يجعلها تؤدي دورها في الوعظ والإرشاد الروحي والخلقي وتحقيق واجبها الوطني في الحفاظ على الوسطية المعبرة عن الروح اليمنية. 4. تجريم جميع أشكال التمييز الديني والتحريض الطائفي وإثارة الكراهية الدينية، واعتبارها جرائم لا تسقط بالتقادم، وتشجيع منظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال مراقبة هذه الانتهاكات، والتعامل مع أي توتر أو احتكاك طائفي من منظور القانون فقط، وبما يحقق العدالة المطلقة وليس من منطلق الرجاء والتحايل، ورفض منهج ما يسمى بالمصالحات العرفية الذي يمثل إهداراً فاضحاً لقيمة سيادة القانون. القضاء على الفساد وتقويض تحالف السلطة والمال لنهب ثروة الشعب شكل تحالف السلطة والمال أبرز ملامح انحطاط النظام السابق الذي قامت الثورة اليمنية للخلاص منه، وعمل على تنمية ثروات أقلية من رجال الأعمال المرتبطين به ممن استغلوا ثرواتهم، من أجل حشد التأييد لصالح النظام وأعوانه. هذا التحالف المشؤوم عطل التنمية الاقتصادية من ناحية، وثبت أركان الديكتاتورية لمدة 33 عاماً من ناحية أخرى. ونعتقد أن البلد لن يتقدم اقتصادياً ولن يتحرر سياسياً بدون تصفية هذه المصالح والجماعات الفاسدة، وكذلك – وهو الأهم – تصفية الإطار القانوني والسياسي الذي سمح بنشوء ذلك التحالف بين السلطة والمال. وتؤمن أن الفساد هو نتاج خلل وضعف في النظام القانوني والإداري، وبالتالي فإن مكافحته بشكل جذري وبشكل يمنع تكراره يجب أن يكون عن طريق وضع نظم مؤسسية وقواعد عامة وأساليب عمل تكون هي صمام الأمان لضمان عدم انتشاره مرة أخرى. ويجب أن تتعاون كل الهيئات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني التي تسعى لمكافحة الفساد والوقاية منه مستقبلاً.