البعض يعتقد وهماً أنه فقيه الثورة ورمزها وخيطها الممسك بتلابيبها, ولسانها الذي لا يجوز لغيره النطق باسمها أو عنها أو إطلاق عبارة مهما كانت حول الثورة أو في مدحها والتغني بها. فالحاكم بأمره, هو وحده فقط من يحق له فعل كل ما سبق, وإن حدث وتجرأ غيره بالاقتراب من حرم الثورة, أو عبّر عن معاناة الثوار والمدينة, والمحافظة, أو اليمن بمنظور ثوري, فإنه يكون قد وضع نفسه هدفاً للتقريع, واللوم والعقاب, والتخوين، وعليه أن يسعى على ركبتيه للاعتذار من الذات الديكتاتورية, والبوح الصريح والواضح بالخطيئة التي ارتكبها, والإعلان غير المبهم وبكلمات دقيقة وواضحة أنه كان متطفلاً على ثورة لها خيوطها ورموزها، ويقسم اليمين المغلظة ألاّ يرجع ثانية لهذا الفعل المشين, ويتعهد إن فعلها ثانية سُلخ من الثورة, ورُجم خارجها, ورُمي في برميل خصوم الديكتاتورية الثورية, ويضع نفسه وما يملك من طاقة وقدرة وحركة تحت التصرف دون أن يسأل أو يفكر. فلا بأس إن كان شيوعياً أن يتحول إلى شيعي, وإن كان اشتراكياً إلى شرك، وإن كان قومياً إلى نكرة مذهبية, وإن كان إخوانياً إصلاحياً إلى متشيع للآل الجديدة وتابع للأوصياء الجدد “الدين والدولة”. إنها مهزلة بكل معاني الكلمة أن يقرأ المرء مقالات لأسماء كنا نعدهم يوماً من الراشدين, ونجدهم اليوم يتطاولون على الآخرين بكلام واتهامات ما أنزل الله بها من سلطان؛ حين يرونهم يتحركون في فعل ثوري قصدوا به خيراً لهذه المحافظة، بعيداً عنهم وخارج إطار مظلتهم, دون امتلاك معلومة حقيقية وصارمة عن طبيعة التحرك وهويته وأهدافه, والعنوان الذي احتواه وسار في ظله. إن الذين يرون في أي فعل لغيرهم أنه يغرد خارج السرب ويسير في اتجاه مضاد للثورة, وأنه إقصاء من جهة للغير وهيمنة من جهة القائمين به على الفعل الثوري.. ويحلو لهذا البعض أن يطلق اتهاماته جزافاً, فيتهم أناساً اشتعلت رؤوسهم شيباً وحركتهم السنون, وأجرت أحداثها في جباههم وخدودهم وأجسادهم أخاديد السنين التي أمضوها في معترك الحياة, وصاروا بفعلها بكل المقاييس أكثر خبرة من غيرهم الذين لايزالون يسيرون حبواً على الأرض، لا يقوون على الوقوف الواعي والمبصر, ولا يستطيعون الإبصار والرؤية خارج فتحة الباب وسم الخياط. ولذلك فهم يجسدون الأمور وفق هذه النظرة الضيقة, ويعتقدون جازمين أن كل فعل هم ليسوا فيه وهماً وخطيئة، وكل فعل هم أصحابه أو يسير تحت رئاستهم هو الفعل الثوري الحقيقي المعبر عن الثورة, ومن هنا وجدناهم يجوبون ساحات الحرية وميادين التغيير بالجمهورية ويخطبون ويصرحون باسم شباب الثورة بتعز وساحة الحرية فيها, ولا يترددون مطلقاً الدخول في تحالفات تحت هذا المسمى, وبعناوين مختلفة يضعون أنفسهم فيها الصوت المعبر عن ثورة تعز. ولا ينكرون على أنفسهم هذا الفعل الذي لم يستأذنوا بشأنه شباب ومكونات الثورة المختلفة، ورغم ذلك لم يقل في حقهم أحد شيئاً. إن رواد هذا الوهم يزرعون كل يوم خصماً جديداً لهم، ويكاثرون وعلى نحو مستمر الخصومات، ويوسّعون الفجوات تحت ذريعة الانتصار للثورة, رغم أنهم على الأرض يفككون صفوفها ويزرعون الشكوك في طريق أحرارها وثوراها وحرائرها وثائراتها, ويمزقون نسيجها، ويشككون بمكوناتها، ويعطون لأنفسهم الحصانة, ويضعون غيرهم في موضع الاتهام والفعل المشين. بل وصل بعضهم إلى القول: إن الثورة بغيرهم سراب, وإن من لا يلبسون عباءاتهم خارج الثورة وفي زاوية مظلمة من التاريخ, وهو لعمري عين الخطأ وأصل الخطيئة؛ فالإنسان آدمي خطاء، لا يبلغ بوعيه أو فعله الكمال مهما امتلك من وعي ناضج, ومهما كان فعله مدروساً وممنهجاً. إن الفرق بين الناس أن بعضهم يعترف ويقر بقصوره البشري, والبعض الآخر يصر على فعله ويعتقد أنه وحده من يستحق الريادة والقيادة, والمضي قدماً بالثورة والثوار إلى حيث يعتقد أنه مصب الفعل الثوري ومحطته الأخيرة. إن ما حررته في هذا المقال نصيحة لمن يجرح الآخرين ويجرم أفعالهم ويسمح لنفسه بالتخوين للآخرين، لا لشيء إلا أنه لم يكن ضمن الفعل أو من العاملين فيه, وكأن كل من يريد القيام بفعل ثوري يتجاوز ظله أن يستأذن من الوصي أو الحاكم بأمره, ما لم فهو ناصبي, إمعة, بيذق، تحركه الأيادي الآثمة، (المشترك وأركانه), وبعضهم لا يستنكر على نفسه الانقياد وراء مشروعات أصغر من نملة في عمقها، وهي محشوة بكل أسباب الفرقة والانقسام، حتى لو كان المخططون وأصحاب المشروعات بوجوه بيضاء تحولوا إلى سمراء أو ملونة وتنتمي إلى ثقافات غريبة عن ثقافتنا. وفي الختام أقول لهم جميعاً: كفوا أيديكم وألسنتكم عن الناس، وليبارك الله كل جهد خيّر يحقق مصلحة البلاد ويحميها. وأقول لهم أيضاً: عليكم أن تدركوا جيداً أن كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون, ونحن نعلن من هذه الصحيفة الغراء أن لنا أخطاء لم نكن نقصدها، وقمنا بتصحيح ما علمنا، ولا نتردد في تصحيح ما يلفت انتباهنا إليه وننصح بتصحيحه. ونقول لمن يفعل هذا: رحم الله من أهدانا عيوبنا, أما أولئك الذين يأكلون لحوم إخوانهم وينهشونها حباً في النهش والتعريض فنسأل الله لهم الهداية, وندعوهم إلى فتحات صفحاتهم قبل صفحات غيرهم، ويعيدوا النظر فيها بموضوعية, وعندها سيعلمون أي خطأ ارتكبوا ويرتكبونه في حق الآخرين.. والله من وراء القصد،،،