فضيلة الصدق هي واحدة من الفضائل الحميدة التي حثّنا عليها ديننا الإسلامي الحنيف. والأصل كما ورد في الأثر الشريف أن «الْمُؤْمِنُ إِذَا قَالَ صَدَقَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ صَدَّقَ».. وفي سورة (الجن) ترد على لسان نفر من الجن ممن استمعوا إلى القرآن الكريم، قوله تعالى: «وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا» [سورة الجن، 72: الآية 5]. والأصل أن الإنسان المسلم يحسن الظن بالله وبنفسه وبالآخرين.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «حسن الظن من حسن العبادة».. وعنه أيضاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا». [أخرجه البخاري ومسلم، الترمذي 2072]. صحيح أن بعض الظن إثم، وأن الظن أكذب الحديث، كما ورد أعلاه، لكن قد يكون صحيحاً أيضاً أن بعض الظن قد لا يكون كذلك، ويرتبط بحسن الظن.. وربما يكون سوء الظن أو الظن المبني على ما يقال أو على الروايات والشائعات أو ما يشاع من بعض الجهات والأفراد أو يذاع، والمعتمد على أخبار وأقوال بعض مواقع الانترنت والمذيعين والإذاعات والمُشاع هو أحد الأنواع التي يأثم صاحبها، ويمكن سؤال العلماء والفقهاء عن صحة هذا الرأي أو تهافته لضعف الحجة التي بني عليها الاستنتاج، أو لعدم قدرته على الإقناع. بعض الناس قد يَصدُقك المعاملة والقول، وبعضهم قد يُصدقك إن أذعت له خبراً ما أو رويت له حكاية معينة أو نقلت له قولاً ما، لأنه حسن الظن بي وبك وبالآخرين. وبعضهم لا يصدقك فيما يقول، ولا يصدق ما تقول، لأنه سيئ الظن في كل شيء ووقتٍ وحين، ولذا قيل: صديقك من َصَدقَكْ لا من َصدَّقك. فكم صديقاً ممن نعرف يمتلك هذه الفضيلة، أي الصدق مع الله والنفس، ويحسن الظن بك وبالآخرين، وكم واحداً ممن حولك «تظن» أنه ممن لا يحسنون الظن بك أو بالآخرين.. فهل يمكن مع ذلك أن تحسن الظن بالآخرين؟! بين النقل والناقل والمنقول، والقائل والمقولة في بضع ثوانٍ أو دقائق، وما ينقله بعضهم إليك أو إلى الآخرين مما يشاع من معلومات أو يذاع من أخبار أو صور أو وثائق، قد تضيع عشرات بل مئات القضايا وتغيب كثير من «الحقائق»، وقد تنقطع الصلات والروابط بين الأصدقاء والأشقاء و«الشقائق»، وربما تهتز الثقة بين الناس وتهدر الحقوق دون بينة أو دليل قطعي الثبوت أو بغياب الشهادات و«الوثائق»، وقد تكال التهم عني وعنك جزافاً دون بينة أو بدليلٍ ظني دون شهود أو “وثائق”. ولذا قيل: من قال لك، قال عليك، ومن نقل لك نقل عنك.. فكم هم الناقلون لي ولك، والقائلون عني وعنك، والمتقولين عليّ وعليك بسوء ظنهم، ممن أضروا أنفسهم وأصدقاءهم وعائلاتهم بتصرفهم السيئ و«المراهق».. فهل يعيبهم أن يحسنوا الظن بالآخرين حتى تتبين «الحقائق»؟ إن أردت أن تنقل للآخرين رأيك فيهم، أو تبدي لهم حسن ظنك فيما يقومون به من أعمال بلا «تقصير»، أو ما يجب عليهم أن يؤدونه من واجباتٍ دون تململ أوتقاعسٍ أو «تأخير»، فخير لك ولهم أن تطرح الأمر عليهم صراحةً دون حرج أو مواربة أو تخفٍّ أو تخطيط مسبقٍ أو «تبرير»، وبغير حاجة إلى إنسان آخر أو منسقٍ أو وسيط أو إلى «لسانٍ فظٍ وسليط»، وإن تعرّض الأمر عليهم بشرحٍ واضحٍ ميسر وبسيط. ومهما بدا أن الأمر صعب عليك أو شاق عليهم وعسير، فهو يبقى أفضل من الكذب «المعسبل أو المدبر»، لأن حبل الكذب كما يقال: «قصير».. فهل يصعب علينا أن نحسن الظن بالآخرين؟ الأمر يستحق منا المحاولة فلنجرب أن نحسن الظن بالآخرين. * جامعة إب