لي صديقة رائعة، أتفق معها في كثير من الأمور، ونختلف في بعضها، صديقتي على صفات خُلقية عالية، وتتمتع بتعليم جيد ومستوى وظيفي لائق، لا يكدّر صفو علاقتنا المتينة سوى شيء واحد، أحاول عدم الالتفات إليه حفاظاً على هذه العلاقة، هذا الأمر يسبّب لي بعض الإزعاج لكنه لا يفسد للود بيننا قضية. صديقتي شديدة الاعتداد بنفسها وبنسبها العريق وسلالتها الهاشمية الشريفة، وكثيراً ما تردد عبارات الفخر والاعتزاز بهذا النسب خلال أحاديثنا، سواء بالتصريح أو بالتلميح، (هذا الأمر والحمدلله لا يعوزني)، ولكن التفاخر به هو ما يصطدم بقوة مع ما أؤمن به عميقاً، وهو أن المرء بأعماله وإنجازاته لا بآبائه وأجداده. في الأحداث الأخيرة التي مرّت بها بلادنا تكشّفت لي أمور كثيرة وزاد يقيني بما كنت أعتنق من مبادئ وقيم، فصديقتي العزيزة ولشدة اعتزازها بنسبها الشريف افتقدت التمييز بين الذات والوطن، فقد دفعها هذا الولاء السلالي الضيّق إلى سلوك طريق التراجع والانحطاط، أو بالأحرى إلى التيه في أزقة ومضايق التعصب المذهبي والسلالي المقيت، إثباتاً لهذا التميز المزعوم، باتت صديقتي المثقفة أقرب إلى السيدة (........) التي تعالج النساء والأطفال في قريتنا بما تيسر لها من الخبرة والحذق وبعض الدجل أحياناً.. للأسف انجرفت وببساطة شديدة إلى دعاوى التمييز الطائفي، وارتمت في أحضان التيار السلالي الرجعي المستأجر، المتخلق من رحم هذه الأزمة العاصفة، لتزيد إلى رصيد الوطن من التخلف والانقسام رقماً جديداً بحجم معلمة أجيال..! عندما خرجت جموع الشعب بكل فئاته وأطيافه قبل أكثر من عام إلى ساحات التغيير الثوري، كان الأمل وهاجاً ساطعاً، وكان التلاحم تلقائياً غريزياً، فكانت الطاقات الثورية تتدفق بقوة وزخم كاسحةً كل نظريات التعقل والتأني، وكأي فعل إبداعي خلاّق، كانت أسطورة الثورة مبهرة ومبهجة في آن معاً، شابة فتية، تتدفق فيها دماء التغيير بقوة تعادل الآمال والأمنيات المتحفزة في أعماق كل الثوار، تلغي كل المسافات وتوحد الأهداف والرؤى، وتجمع القلوب والجهود.. أما وقد بدأ هذا الوهج الثوري بالتلاشي والانحسار شيئاً فشيئاً، تماهياً مع السنن الكونية الثابتة، فقد تبدت بعض بؤر الضعف، وانكشفت بعض الندب السوداء في الجسد الثوري الطاهر، وبدأت الاتجاهات الفكرية والوجدانية بالطفو على السطح، كما بدأت الممارسات المنحرفة تتكشف يوماً بعد يوم، تحت مسميات وشعارات متنوعة ومتعددة وغالباً براقة مخادعة، انطلت على كثير من العامة والبسطاء والمتعصبين أمثال صديقتي.. فهل تتنبه وتستيقظ فينا عناصر البناء، وتعمل على معالجة هذه البؤر المتعفنة، واستئصال الندب الغريبة قبل أن تنتشر ويستفحل خطرها ويصبح من الصعب التخلص منها؟! لافتة رياضية: صديقتي العزيزة (معلمة الرياضيات): عندما تكون المسألة الحسابية متعلقة بالوطن، فإن مجموعة الأعداد الصحيحة تكون مغلقة تحت عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة، ولا يمكن لأحد أن يلعب دور العنصر المحايد، أما إذا جاء الناتج خارج مجموعة الأعداد الصحيحة فحتماً هناك خطأ ما في المسألة.. استخدام القانون الرياضي المناسب للمسألة يجعل الناتج صحيحاً ويوفر الوقت والتفكير هذا ما ترددينه كثيراً على مسامع طالباتك، وما أحوجك اليوم للاستماع إليه من لسان الشعب كل الشعب، والتفكير فيه ملياً..