الثورة آخر حركة للغليان، تبدأ الحرارة شيئاً فشيئاً ثم (يفور التنور) أو المشاعر فتتغير حالة البرود إلى الفوران، وينقلب هذا الحيوان الوديع الذي نسمّيه إنساناً، ليصبح نمراً، أسداً، ثوراً، جملاً هائجاً، صاروخاً يدمّر كل شيء، ويأتي على كل شيء فيجعله كالرميم، كالهباء، كالعدم. من هنا فإن بداية أي ثورة، بداية أي فعل ثوري هو الوقود، حطباً يشتعل، إذا كان المراد ماء، والأفكار إذا كان المراد إنساناً، وكان كيسنجر قد نصح فورد ثم كارتر ثم كلينتون بأن الإرهاب في الشرق الأوسط سوف يتصاعد؛ لأنه في الديانات السماوية اليهودية والنصرانية والإسلامية فكرة أصيلة اسمها “الجهاد” ومن ثم فإن على دوائر البحث الاستراتيجية في أمريكا، خاصة دوائر الاستخبارات أن لا تتكئ على فكرة سيطرة الأنظمة العربية على الأوضاع، فهناك أفكار يصنعها التطرف الاسرائيلي الذي ينادي باستكمال تهويد كل أراضي فلسطين، بطرد الفلسطينيين. ولقد اتضح – والكلام لكيسنجر - أنه حتى بالنسبة للفلسطينيين الذين لديهم جنسيات من أرض الشتات لايزالون - لا يحلمون وحسب - وإنما يخططون للعودة إلى وطنهم فلسطين. تقدمة بسيطة لفكرة هذه السطور، وهي أن أحد بواعث الربيع العربي وخريفه وشتائه وصيفه هو الشعور بفقد أرض عربية إسلامية هي أرض فلسطين، وأول فكرة أن هذه الثورات، لم تنبت فجأة وإنما كانت خميرتها هذه الكرامة العربية الإسلامية التي امتهنها قبل اليهود كثير من الأنظمة العربية حتى لتجد (المؤامرة على فلسطين) و(الحكم الديكتاتوري) و(السيطرة الماسونية) و(الحاكمية الكفرية) و(التبعية الاستعمارية) و(الهيمنة الأمريكية) عنوانات بارزة وخطوط عريضة يحرّرها الأحرار في السجون (الوطنية) أو بيانات تلقى في (تورابورا) وأفغانستان وفي (جوانتنامو) كوبا القاعدة الأمريكية. وكان ريغان - رئيس أمريكا الأسبق - قد طلب إلى مركز الشرق الأوسط للدراسات أن يقدم دراسة عن الأصولية الإسلامية, فاستخلص البيت الأبيض أن من بواعث هذه الأصولية هو السيطرة على بيت المقدس الذي يعد مكاناً مقدساً عند المسلمين، وفي الوقت الذي استطاع جهاز الإعلام العربي أن يكرّس فكرة الجهاد لطرد الشيوعية من أفغانستان؛ نسيت هذه الأنظمة أن فكرة الجهاد فكرة شمولية وليست انتقائية، فبدأت المعاناة!!.