أزعم أنها ملفات معروفة لدى النُّخَبْ السياسية بدقة بالغة، وبطريقة صحيحة لا مُخاتلة فيها، فلنأخذ مثلاً الحالة القائمة في صعدة.. ما هي الأسباب الحقيقية وراءها؟. هذه الحالة ممتدة منذ1990م وليست طارئة .. أي أننا منذ أن استزرعنا السلفية الجهادية، في عقر دار الزيدية التاريخية، وبتبرير عقيم يقول بأن هؤلاء السلفيون الذين جاءوا من المملكة العربية السعودية هم يمنيون، وعلينا أن ندعمهم بدلاً من أن يدعمهم غيرنا. كان هذا التبرير مطروحاً من قبل السلطة، وكانت المسألة برمتها تنطوي على لعبة سياسية قائمة على مكايدات حزبية داخلية بين المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح. اللّعب بهذه الورقة أفْضى في نهاية المطاف إلى نشوء جماعة الشباب المؤمن الذين دُعموا من قبل الدولة، والمفارقة أن النظام كان يدعم السلفية بقيادة المرحوم مقبل الوادعي، وكان يدعم أيضاً الحوثيين بقيادة المرحوم حسين بدر الدين الحوثي. لاحِظْ أين تكمن المشكلة؟!!. الإسلام السياسي المقرون بالتعصب مستورد، ولا علاقة له باليمن التاريخي.. ولا نريد أن نفصل هنا المذاهب اليمنية، سواء المذهب الشافعي السني الأشعري، أو المذهب الزيدي المعتزلي بطيوف ألوانه بوصفهما مذهبين وسطيين. السلفية الجهادية ليست غريبة فقط على الزيدية اليمنية التاريخية، لكنها غريبة أيضاً على الشافعية اليمنية التاريخية.. نحن وسطيون، وكانت اليمن التاريخية حاضنة لكل الفرق الإسلامية الهاربة من مراكز الخلافة، واتّسمت اليمن بهذا النوع من القدرة على التحولات حتى قبل الإسلام. عرفت اليمن تاريخياً ديانات متعددة، وفي نفس الوقت، وبالتالي كان المزاج التاريخي الذي تكوَّن في اليمن هو مزاج وسطي قادر على التعامل مع مختلف الفرق الدينية، ولهذا السبب كان اليمن ملاذاً آمناً لهذه الفرق. هذه إشارة فقط، أو استرجاع عابر، حتى نفهم من أين بدأت المشكلة، وحتى لا ندخل في تفاصيل أخرى فيما يتعلق بالفرق الدينية التاريخية المؤصلة في اليمن في إطار الشافعية والزيدية. بين هذه الفرق لا خلافات.. لا في الأصول ولا في الفروع، بالمعنى الجوهري للكلمة، وإذا كان هناك تمايز فهو تمايز في فكر التأويل وأمور الكلام. هذا الاسترجاع السريع لمكامن الجدل الملغوم بأسباب نشوء هذه المعضلات التي شهدتها الساحة اليمنية بعد تحقيق وحدة مايو لعام 1990م يشير إلى أن هذا النوع من الاستزراع غير الحميد كان ضرباً من المُناكفة السياسية بين المؤتمر والإصلاح. [email protected]