شهدت الساحة العربية انعطافات تاريخية إحيائية، وكان التوق لمعانقة المستقبل أصلاً أصيلاً في ثقافة الإحياء النهضوي، وذلك من خلال استعادة جواهر الماضي التاريخي ومكنوناته، وقد اختلف النقاد حول تقييم مرحلة الإحياء النهضوي التي تلت الحرب العالمية الأولى، فمنهم من اعتبرها مجرد تكرار لثقافة الأسلاف، ومنهم من رأى فيها إحياءً مقروناً بالتطور، وذلك عطفاً على فيوض العطاء الثر خلال الفترة ما بين الحربين الكونيتين الأولى والثانية، ثم تمددها بحضور وافر طوال القرن العشرين، وكانت مصر تمثل مركز العطاء، فيما تماهت المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج في المساهمة الكبيرة في هذا الباب. في مصر كان أحمد شوقي وحافظ ابراهيم والبارودي محطات شعرية، مؤكدة في هذا الباب، وبالمقابل كان زكي نجيب محمود والبدوي رموز هامة في التثاقف مع التاريخ والآخر الإنساني، من خلال إسهاماتهم الفلسفية الناجزة، وعلى درب التاريخ حضر محمد حسين هيكل وحبيب جاماتي وعلي أحمد باكثير. وفي العالم العربي توازت الرموز الإحيائية مع رحابة الجغرافيا الثقافية العربية المتجددة، حيث سمعنا أصواتاً هامة شعرياً، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: أبو القاسم الشابي التونسي، وعبدالله البردوني وعبدالعزيز المقالح اليمانيان، ومحمد مهدي الجواهري العراقي، والأخطل الصغير اللبناني. وهنالك أسماء كثيرة كان لها إسهامها البالغ في النصوص السردية والتراثية والفكرية مما لسنا بصدد تعدادهم في هذه العجالة العاجلة. لقد كان لثقافة الإحياء أهمية بالغة تتجاوز مجرد استدعاء النموذج التاريخي المجيد، والشاهد أن الاستدعاء للماضي الشعري والنثري انطوى على مراجعة ومُناجزة إبداعية لقامات الثقافة التاريخية العربية، فيما ارتقى إلى تفاعل مُؤكد مع الثقافات الإنسانية، مما يمكن استجلاؤه عند طه حسين والعقاد والمازني، وعلى سبيل المثال لا الحصر أيضاً. أقول هذا الكلام للتدليل على أن ثقافة الإحياء النهضوي ليست مجرد تقليد للماضي كما يزعم الاستيهاميون المنخطفون بكل غريب عابر، بل سبب للتملُّك المعرفي والجمالي لأفضل مافي الماضي، بالتوازي مع التواشج المؤكد مع الثقافات الإنسانية ، والأوروبية منها على وجه التحديد. نحن بحاجة إلى استدعاء القيم المعرفية الجمالية التي توازت مع تلك المرحلة الهامة من تاريخ الثقافة العربية، لأن هذا الاستجلاء سيضع النقاط على الحروف حول أهمية مرحلة الإحياء النهضوي التي ترافقت مع الحلم الألفي للعرب، والذين مازالوا يحلمون بمجد الماضي المقرون بالمستقبل. [email protected]