لم يعرف اليمنيون في تاريخهم الحديث معنى المواطنة، بيد أنها سجلت بشكل أو بآخر كأحد أهداف ثوراتهم، وتلك هي جوهر المشكلة، وأساس الحل أيضاً، كانت لبنات المواطنة متوفرة إلى حد ما في الجنوب، بمعايير النظام الاشتراكي، لكنها انتقصت كثيراً لصالح النخب السياسية المتناحرة، والتمايز الجغرافي. في الشمال أعادت النخب السياسية والعسكرية والقبلية إنتاج التمييز الطبقي الذي قامت ضده ثورة سبتمبر، بشكل أكثر فجاجة، لتتحول البلاد إلى إقطاعيات يتقاسمها مشايخ ونافذون، فيما كان عامة الشعب رعايا لدى أئمة إقطاعيات الجمهورية. واستنسخت تجربة الشمال لتعمم على الشطرين بعد الوحدة، خصوصاً بعد حرب 94، لتصبح المواطنة مجرد ادعاء يزداد زيفاً يوماً بعد يوم. وجاءت الانتفاضة الشعبية في اليمن كشرارة متشظية من نواة ثورات الربيع العربي، التي انتفضت ضد انتقاص المواطنة بكل قيمها المترتبة على وجودها، وكان التونسي البوعزيزي هو الفتيل الذي فجر الثورات احتجاجاً على هدر كرامته بعد انتقاص مواطنته.. أن تكون مواطناً فهذا يعني أن أحمد علي وإخوانه وأبناء عمه وحميد الاحمر وإخوانه، وعبد الملك الحوثي وأفراد أسرته وأبناء المشايخ والمسؤولين وحواشيهم، يحظون جميعاً بفرص متساوية في التعليم والصحة والخدمات والمعاملة المتساوية أمام القضاء والقانون، وتلك أبرز قيم المواطنة ممثلة في المساواة. وإذا وجدت دولة ترعى المواطنة فلن يكون هناك مدعاة للدخول في حروب عبثية كحروب صعدة الست إذ تضمن المواطنة الحريات ومنها حرية المعتقد، لكنها تعلي بالتوازي ميزان القانون والمسؤولية الاجتماعية. وإذا وجدت المواطنة حقيقة فلن يكون هناك هاجس لدى مختلف شرائح المجتمع من وصول نجل الرئيس السابق أحمد علي أو حميد الأحمر إلى سدة الحكم بمعايير النفوذ والقوة دون المساواة والفرص المتكافئة، ولكانت المشاركة والحقوق السياسية والمدنية مكفولة للجميع دون استثناء أو تمييز ومفاضلة فيها. وإذا وجدت المواطنة لما كنا نعيش هواجس المستقبل المجهول والخيارات المؤرقة لمختلف الأطراف من الانفصال إلى الحرب الأهلية إلى الصوملة، ولكانت حقوق الناس مكفولة بالقوانين والقضاء النزيه المستقل. وإذا كان النظام السابق قد عرف يوماً قيمة المواطنة، لما رأى فرقاً بين دماء وحروق جامع النهدين ودماء اليمنيين التي أريقت في تلك الحروب العبثية، أو دماء شباب اليمن التي أريقت خلال انتفاضة المواطنة خلال العام الماضي.. إذا وجدت المواطنة لما كان الشيخ حميد مضطراً للتباهي بحاشد أكثر من الوطن، والاستقواء بالشيخ صادق أكثر من الدولة.. ينبغي أن تركز معركة اليمنيين خلال المرحلة القادمة على تأكيد قيمة المواطنة المتساوية بكل قيمها، فهي أساس الدولة المدنية، كما هي النقيض للمشيخة والاقطاعية والاستبداد بكل أشكاله وصوره.. واذا أقيمت دولة تقوم على المواطنة المتساوية، فلن يجد اليمنيون أنفسهم يوماً بحاجة لثورة أخرى، أو إنقاذ الثورة الحالية.