السعادة مصطلح خاض فيه علماء الكلام والفلاسفة كثيراً لكن الشيء الذى هو محل إجماع المسلمين أن السعادة ترتبط بما يميز الإنسان عن سائر الكائنات وهو العقل السوي والفطرة النقية فعلى مستوى التمثل الاجتماعي يختلف الناس في تصورهم للسعادة وفق دلالات متعددة منهم من يراها بحسن العيش والحياة الكريمة من خلال امتلاك المال والثروات وتلبية الرغبات ومنهم من يراها بالسيرة العطرة والحياة الكريمة المتوازنة من خلال السلوك الفاضل، وتتعدد دلالات السعادة ومدلولاتها بحسب حاجيات الناس فالتمثل الاجتماعي للسعادة يهيمن عليه الطابع المادي وهو ما يفرض السؤال التالي: أليس الجانب الروحي ضروريا لاكتساب السعادة وتحصيلها!؟ والإجابة تأتي من خلال نظرة أهل الله إلى السعادة كحالة إرضاء تام للخالق وللذات معاً يتسم بالديمومة وتتحقق السعادة فى الدنيا لديهم بانشراح الصدر وطمأنينة القلب وفى الآخرة برضا الله والإيمان بها إنها سعادة دنيوية وسعادة أخروية انطلاقاً من توجيه رباني قال تعالى:“وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين”(القصص:77) وهو ما يعني أن السعادة تتحقق بالاجتماع والإرادة وبخدمة الدارين“ الدنيا والآخرة” وفي سورة العصر قال تعالى: “والعصر إن الإنسان لفي خسر إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” ( العصر : 1-3) يشير القرآن الكريم إلى أن السعادة البشرية تتحقق من خلال أربعة أركان: الأول هو الإيمان، والثاني العمل الصالح، والثالث التواصي بالحق، والرابع التواصي بالصبر؛ وبالتالي فإن شرط الحياة الحقيقية والشعور بالسعادة هو الإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق والصبر. وقال تعالى: “ من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” (النحل: 97) وعند أهل الله طريق السعادة يتم تعبيده بالصدق والاستقامة والأخلاق الحسنة وعمل الخير والعطف والتواصي بالإيمان والحق والعمل الصالح والصبر فليس المطلوب من أفراد المجتمع الإيمان والعمل الصالح فحسب، بل والتواصي بذلك أيضاً بشتى الوسائل قولاً وفعلاً وأن يشجع بعضهم بعضاً بشكل يظهر فيه المجتمع ملهماً لأفراده عمل الخير باختصار إنه “الإحسان” الذي يراه أهل الله بأنه هو وحده من يهب القلب الطمأنينة والشعور بالسعادة كما أن التواصي بالصبر والاستقامة والثبات تمكن أفراد المجتمع من مواجهة حوادث الزمن ونوائب الدهر، قال تعالى: “وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا” (الجن: 16) ويرى أهل الله أن السعادة الحقيقة هى المعرفة وزوال الحجب بين العبد وربه، وهذه المعرفة تكون نابعة من الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر التي تثمر الاستقامة، وبالتالي السعادة ويقول أبو حامد الغزالي: “اعلم أن سعادة كل شيء ولذته راحته ولذة كل شيء تكون بمقتضى طبعه وطبع كل شيء ما خلق له فلذة القلب بمعرفة الله سبحانه وتعالى؛ لأنه مخلوق لها وكلما كانت المعرفة أكبر كانت اللذة أكبر”. ويقول أهل الله إنه عندما تنعكس العلوم الإلهية من اللوح المحفوظ إلى مرآة القلب الإنسانى يصل الإنسان إلى معرفة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر والطريق إلى ذلك يكون عبر المحبة في الممارسة العرفانية وجوهرها” الحب لله وهو أن تؤثره ولا تؤثر عليه سواه، والحب فى الله وهو أن تحب فيه من والاه، والحب بالله هو أن يحب العبد من أحبه وما أحبه منقطعا عن نفسه وهواه، والحب من الله وهو أن يأخذك من كل شىء، فلا تحب إلا إياه “ إذ لا طريق يدخل به العبد إلى معرفة الله إلا طريق المحبة كما أرشد إلى ذلك الحديث القدسي:“ومازال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها وإذا سألني لأعطينه وإذا استغفرني لأغفرن له وإذا استعاذني أعذته “ (رواه الإمام البخاري وأحمد بن حنبل والبيهقي). ويطلق أهل الله على من وصل إلى حال المحبة والمحبوبية اسم العارف بالله تعالى الذي يعبدالله؛ لأن الله تعالى أهل للعبادة وهو الذي خلق الخلق ليعبدوه، قال تعالى: “وما خقلت الجن والإنس إلا ليعبدون “ (الذاريات: 56) والسعادة عند أهل الله هي سعادة معرفة الله سبحانه وتعالى والقرب منه ويقول إبراهيم بن أدهم: “نحن في سعادة لو علمها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف.