برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الان: عدوان امريكي صهيوني على الحديدة وانباء عن ضحايا    الافراج عن موظفة في المعهد الديمقراطي الأمريكي    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    تواصل اللقاءات القبلية لإعلان النفير العام لمواجهة العدوان الامريكي    سوريا .. انفجار الوضع في السويداء بعد دخول اتفاق تهدئة حيز التنفيذ    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    «كاك بنك» يكرم الموظفين المثاليين للعام 2024/2025    الرهوي يناقش مع الوزير المحاقري إنشاء منصة للأسر المنتجة    بمتابعة من الزبيدي.. إضافة 120 ميجا لمحطة الطاقة الشمسية بعدن    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    الكثيري يبحث مع فريدريش إيبرت فتح آفاق دعم دولي للجنوب    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    مؤسستي الكهرباء والمياه بذمار تحييان الذكرى السنوية للصرخة    إلى رئيس الوزراء الجديد    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    القسام توقع قوة صهيونية بين قتيل وجريح بكمين مركب في خانيونس    الأرصاد تتوقع أمطاراً رعدية بالمناطق الساحلية والجبلية وطقساً حاراً بالمناطق الصحراوية    تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    من أين تأتي قوة الحوثيين؟    رسميًا.. بايرن ميونخ بطلًا للبوندسليجا    تشيلسي يضرب ليفربول ويتمسك بأمل الأبطال    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي يعزي في استشهاد عمر عبده فرحان    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    وسائل إعلام غربية: صدمة في إسرائيل..الصاروخ اليمني يحرق مطار بن غوريون    ورطة إسرائيل.. "أرو" و"ثاد" فشلا في اعتراض صاروخ الحوثيين    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    تدمير المؤسسة العسكرية الجنوبية مفتاح عودة صنعاء لحكم الجنوب    وزير الصحة ومنظمات دولية يتفقدون مستشفى إسناد للطب النفسي    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    فيما مصير علي عشال ما يزال مجهولا .. مجهولون يختطفون عمه من وسط عدن    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    تطور القدرات العسكرية والتصنيع الحربي    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    مرض الفشل الكلوي (3)    العشاري: احراق محتويات مكتب المعهد العالي للتوجيه والارشاد بصنعاء توجه إلغائي عنصري    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرآن طريق الخروج من الظلمات (53)
نشر في الجمهورية يوم 10 - 08 - 2012

في البداية كان السوق مكاناً عادياً يجتمع فيه اهل القرية او اهل مجموعات من القرى بهدف تبادل السلع فيما بينهم نتيجة للزراعة وما تلاها من تقسيم للعمل والتخصص في الانتاج، ومع الزمن اكتسب السوق اهمية فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والدينية والسياسية والثقافية.
ومن اجل تنظيم العلاقات بين كل هذه المجالات تحول السوق الى رمز لنظام معين محدد مسبقا عبر التطوير و التجديد، و في مرحلة معينة فإن المتسوقين بدأوا ينسجموا مع نظام السوق كما هو اي انه لم يعد بإمكانهم ان يختاروا كيفية التعامل في الاسواق و لم يستفتوا عن مكونات النظام القائم، بل ان الامر تطور الى درجة ان من يخالف النظام المعمول به فإنه يواجه عقوبات كبيرة.
فعلى سبيل المثال في بعض الاسواق اعتبرت السرقة و الغش و التدليس و عدم الوفاء بالالتزامات جرائم جسيمة يستحق مرتكبها او المتهم في ارتكابها عقوبات جسيمة ايضا، فمن يسرق شيئا فإنه يحق لمن سرق منه ان يأخذ ما يشاء من ماله و ان لم يكن لديه في ما له ما يرضيه فمن حقه ان يأخذه عبدا مقابل ذلك، وهذا ما كان سيحدث لأخ نبي الله يوسف لو كان فعلا سرق صواع الملك.
وعلى الرغم من هذه العقوبات المشددة فقد طورت بعض الاسواق حيلاً عليها اذا كان من يمارسها له علاقة بمن يدير الاسواق، فعلى سبيل المثال فإن استخدام الخدع السحرية لأخذ اموال الناس بالباطل يعتبر عملاً مشروعا بل يعتبر من قبل العبادة او الممارسات الدينية، وكذلك فإن العديد من الاسواق اباحت الزنا والبغاء وكل ما يرتبط بها من مظاهر على أساس انها شكرا لله على الإخصاب او جودة المواسم الزراعية.
لقد حدث ذلك عندما سيطر على الاسواق عصابات تحت غطاء الدين او القوة، فتمكنت هذه العصابات من تغير قواعد التعامل في الاسواق تبعا لمصالحها، وقد احتكرت كلا من القوة المالية اولا ثم القوة المعنوية ثانيا ثم القوة المادية ثالثاً، وفي حالات كثيرة كانت تحتكر كل مصادر هذه القوة في وقت واحد.
ونتيجة لذلك فإن هذه العصابات قد احتكرت في تنظيم و ادارة كل ما يتعلق بالاسواق، فهي التي تحدد القواعد التي يجب على الآخرين فقط تطبيقها مهما كانت اعتراضاتهم عليها، والتي تحدد قواعد التعامل مع من يرفض تلك القواعد او يخالفها لأي سبب من الأسباب، وهي كذلك التي تقوم بتطبيق هذه العقوبات.
ومن اجل ذلك فقد احتفظت بقوة عسكرية الى جانب القوة المالية والقوة المعنوية، وبما ان العديد من المتعاملين في الاسواق لا يعيشون فيها، بل انه يمكن القول ان غالبيتهم كانوا يعيشون في مناطق لا تدخل في سلطة العصابات التي تتولى الاشراف على الاسواق.
ومن اجل ذلك فإن السوق ومن يديروه قد شكلوا حكومة باسم السوق، ولعل ان ذلك كان اول إشكال الحكومات، ويتضح ذلك ان سلطة السوق لم تقتصر على المساحة الجغرافية التي يقع فيها السوق و انما امتد الى المناطق التي يسكن فيها المتعاملون مع السوق، وما من شك فإن الاساس التي قامت عليه دولة السوق هو الاساس الاقتصادي لانه كان هو المبرر لظهور مؤسسات الاسواق، وبالفعل كانت دولة السوق تبرر اي تصرفات لها بما لها من تاثير على الانشطة الاقتصادية.
ومع الزمن تقبل الناس هذه السلطة التي اصبحت تشمل العديد من المجالات التي لا علاقة لها مباشرة مع الانشطة والعلاقات الاقتصادية، وعلى وجه التحديد علاقات الزواج وما يترتب عليها من احكام وقواعد وطقوس وخلافات والتعامل معها.
ومن المؤكد ان دولة السوق قد احتكرت الانشطة الدينية وبالطبع فقد عملت على ملاءمتها مع المتطلبات الاقتصادية من حيث تحديد ما يجوز من المعاملات وما لا يجوز من الناحية الدينية وما يعتبر من الاعمال والانشطة مرغوبا به لانه يرضي الإله وما هي العقوبات التي يجب ان تلحق بمن يقصر بذلك، ونفس الطريقة فإن الدين قد استخدم لتحريم انشطة معينة لانها لا تخدم المصالح الاقتصادية للسلطة التي تدير السوق، ومن اجل جعل ذلك ملزما للغير فإن هذه السلطة قد استخدمت الدين لتبرير العقوبات التي يجب ان تلحق بمن لا يلتزم بعدم القيام بهذه الانشطة المحرمة دينياً ظاهريا و لمصالح السلطة المتنفذة واقعيا.
وفعلا اصبح السوق مؤسسة متعددة الجوانب لا تكتفي فقط بتنظيم اعمال و انشطة الأسواق و انما تمددت لتكون مؤسسة تحدد النظام الاجتماعي والنظام الاقتصادي والنظام الثقافي والنظام الديني والنظام الثقافي. فنظام السوق كان مغلقا على المتنفذين فيه واصبح المتنفذون يصوغون كل الانظمة الاخرى خارجه.
و بدلا من ان يكون السوق مؤسسة ديمقراطية يشارك المتعاملون فيه بتحديد طرق التعامل فيه بما يحقق العدل فيما بينهم فإنها اصبحت مؤسسة طاغوتية، ذلك انها قد تمكنت من السيطرة على العلاقات كلها بما يخدم مصالحها بغض النظر ان كان ذلك يخدم مصالح الآخرين.
فالسوق تحول الى مؤسسة طاغوتية بكل ما تعنيه الكلمة، وخصوصا عندما تسرب اليه الشرك واصبح السوق مروجا له ولثقافته، وكذلك عندما اصبح السوق وسيلة تسلط الاغنياء اجتماعية وسياسيا وثقافيا، وبذلك فقد تم تجاهل الفقراء أيا كانوا.
فالعلاقات الاسرية التي كانت تقوم على اساس المرحمة تحولت الى علاقات اقتصادية تقوم على اساس المشأمة، والدين الذي كان يقوم على توحيد الله ومن اعتبار الفقراء هم ايضا عبيد لله يجب الاحسان اليهم تحول الى تأله الاغنياء واعتبار الفقراء لا إله لهم وبالتالي لا مدافع عليهم، فالدين الذي طوره الاغنياء كان يبرر كل ممارسات الاغنياء ضد الفقراء مهما كانت هذه الممارسات ظالمة بحجة ان الآلهة قد أقرتها والآلهة لا تقر الا ما هو حسن و مبرر.
لهذه الاعتبارات كلها نجد ان القرآن قد تجاهل السوق بل انه قد اعتبرها من محاضن الشر، فكل من يتعامل معها كان يصاب بالقسوة والدناءة والطمع وحب المال، ومن اجل تخليصهم من ذلك فلا بد وان يتم اخراجهم من ثقافة الاسواق التي كانت سائدة، وهذا ما سوف نناقشه في مقال الغد بإذن الله تعالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.