هل ينجح الخضر الإبراهيمي في ما فشل فيه كوفي عنان؟ هذا هو التساؤل المطروح بعد فشل عنان وتكليف الإبراهيمي في مهمة إيجاد مخرج للأزمة والحرب في سورية بناءً على المبادرة الأممية – العربية المشتركة. والأمر لا يرتبط وقدرات أيٍّ من الرجلين على النجاح من عدمه في هذه المهمة، بل إن الأمر مكفول بتوافر الإرادة الدولية والرغبة السورية لإيجاد مخارج حقيقية وسلمية لما يجري في الداخل السوري من اقتتال دامٍ ينذر بكارثة تتجاوز هذا الداخل وتمتد على مستوى المنطقة ككل، وبالذات بعد بروز هذا الاستقطاب الحاد في ميزان القوى الإقليمية والدولية بشأن هذه الأزمة، وهي ذات الأسباب التي أدت إلى فشل مهمة كوفي عنان وإعلانه الانسحاب. وحيث لم يتغير شيء من مواقف موازين القوى إزاء هذه الأزمة والحرب وإيغال أطرافها في اللجوء لخيارات الحسم العسكري فإن مهمة الإبراهيمي – هي الأخرى – محفوفة بالمخاطر إن لم تكن محكومة بالفشل الذريع، وتحديداً بعد تراجع الاهتمام بأي مبعوث أممي؛ نظراً لعجز الأسرة الدولية في وضع حدٍ لما يجري لهذا القطر وتنامي الاحتكام إلى السلاح بين الحكومة والمعارضة. في واقع الأمر أن ما يحتاجه الإبراهيمي في هذه المهمة هو التوافق الدولي تجاه الأزمة السورية، والتي لا يلوح في الأفق ما يبشر بإمكانية حلها في الوقت الراهن، حيث لاتزال مواقف أعضاء مجلس الأمن الدولي منقسمة ما بين مؤيد للمبادرة الأممية - العربية وبين رافضٍ لها؛ باعتبار أن ذلك يترك الفرصة أمام التدخل العسكري الخارجي. وهو – بالطبع – ما يعطل أي قرار يمكن لمجلس الأمن اتخاذه في هذا الشأن، وهنا مربط الفرس في انسحاب هذا القرار على مواقف بعض الدول الإقليمية كإيران ولبنان من جهة ودول الخليج العربي من جهة أخرى. إذاً ليس من خيار أمام الإبراهيمي غير القفز إلى وسط البحيرة؛ حيث لا حدود واضحة لشواطئها أو ما يعتمل في أعماقها من أحياء بحرية مفترسة، فإما أن يغرق الرجل في وحلها أو أن يقع فريسة لتلك الأحياء أو أن تمتد إليه يدٌ لإنقاذه كأن يحدث معجزة في جدال الانقسام داخل مجلس الأمن، وإن كان ذلك يبدو مستحيلاً في الوقت الراهن. فهل يخاطر الإبراهيمي بسجله الحافل بالمهام الأممية لإخماد الكثير من الحرائق والدخول في غمار السباحة داخل هذه البحيرة؟. أغلب الظن أن الرجل سيمضي في ذلك الطريق إذا ما لمس أن ثمة إشارات عن توافق دولي بشأن إنجاح مهمته، فضلاً عما يمكن أن يلقاه من تجاوب الأطراف المعنية داخل سورية وموافقتها لأخذ استراحة عن الاقتتال والبدء في إدارة حوار يضع فيه الجميع النقاط على الحروف والانتقال بالبلد من أتون الاقتتال إلى فضاء التسوية. وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلاّ بتوافر الإرادة الداخلية والإجماع الدولي لمباركة هذه الجهود للتسوية ودعم مساعي المبعوث الأممي، فمن شأن تسرب بصيص من الأمل أن يضيء المشهد المؤلم داخل هذا البلد.. ما لم فإن ثمة صعوبات ستكتنف المهمة برمتها، وهو - بالطبع – ما سيؤدي بالرجل في نهاية الأمر إلى الاعتذار أو الانسحاب كما فعل سلفه كوفي عنان.. ولا شك أن تدخلات الخارج بضغوطه ومواقفه لا يمكن لها أن تخلق حالة من الإيجابية، بل إنها سوف تلقي بتبعات إضافية على المشهد، ما لم يسارع السوريون في السلطة والمعارضة إلى إيجاد لغة مشتركة للحوار والاتفاق على تسوية تجنبهم المزيد من الخسائر التي لا يمكن لأحد تقدير كلفتها أو التنبؤ بآثارها.. وكل ذلك يتحقق بالاعتماد على الحوار والتسليم بإرادة ورغبة الشعب السوري في تقرير مصيره. صحيح أن المبعوث الأممي الخضر الإبراهيمي يمتلك سجلاً حافلاً بالإنجازات على صعد التسوية السلمية في عدد من المناطق الملتهبة.. وأتذكر – كما يتذكر غيري – اقترابه من إيجاد تسوية للأزمة اليمنية قبيل شرارة الحرب صيف عام 94م، ونجاحه بعد ذلك في توفير الغطاء الإقليمي والدولي لمرحلة ما بعد تلك الحرب.. لكن الصحيح أن الرجل أمام مهمة صعبة وشاقة تقتضي – كما أشرنا – توافقاً دولياً وقبل ذلك إرادة شجاعة للأطراف المعنية داخل سورية لمواجهة الحقائق كما هي. وإذا تعذر ذلك أمام الإبراهيمي فإنه سيعتمد على تراكم خبراته واتساع علاقاته وحكمة مواقفه في إيجاد –على الأقل – ما يزحزح الأطراف المعنية عن مواقفها المتشددة والرضوخ إلى القبول بالحد الأدنى من القواسم المشتركة التي تساهم في إلقاء السلاح جانباً، وترك الباب موارباً أمام فرص الحوار الذي لا بديل سواه غير الانزلاق إلى حربٍ ضروس أشبه بحرب البسوس!!