عطفاً على حديث الإنسان وطبائعه سنقف اليوم أمام الإنسان الترابي أو الطيني، وهو بحسب مقاربات الطبائع البشرية يمثل الإنسان الأساس، أو الإنسان المُطلق، باعتبار أن التراب والماء يمثلان مبدأ الخلق البيولوجي، والحاضن المثالي لما سيلي من خصال ومواهب دونها الهواء والنار والنور، مما سنقرأ متواليات حضورها لاحقاً . قلنا إن الإنسان الترابي هو الأساس، وهو إلى ذلك يتميّز بالطيبة والعطاء السخي، والصبر والثبات، والدأب على إعادة إنتاج مُعطيات الحياة، وذلك أمر مشهود تماماً في الأرض “الترابية المائية” التي تمنحنا الزرع والضرع. لكن هذه الأرض بالذات قد تنقلب رأساً على عقب، وتصبح سبباً للكوارث والزلازل والجفاف، في حالات معينة. يشبه الإنسان الترابي الأرض، وهو بهذا المعنى يكون معطاءً.. بنّاءً، وصبوراً كالأرض، وقد ينقلب فجأة ليظهر بعكس ذلك تماماً، ولهذا السبب ينصح علماء الطبائع البشرية من يتعاملون مع الإنسان الترابي بملاحظة أنه بقدر طيبته وصبره الدؤوب قد يتحول فجأة، لينفجر كالبركان الثائر، وينتقم شر انتقام ممن يتعدّى عليه ويستغل طيبته. حال الإنسان الترابي كحال الشعوب الصابرة المُصابرة، والمتحملة لمظالم الأنظمة الباغية المُتجبرة. فهذه الشعوب بقدر صبرها وتحملها للمكاره قد تنفجر فجأة لتتحول إلى عاصفة مُدمرة تطال الظالم والمظلوم معاً!!، بل قد تصل بها فداحة الغضب إلى فقدان البوصلة، فتدمر ذاتها بذاتها، كما تدمر الآخرين. فتأمّل عجائب الدهر عزيزي القارئ. [email protected]