استمعت إلى قناة العربية وإلى العديد من القنوات الفضائية والعربية حول ما صرح به وزير الخارجية الإماراتي، الذي ضمن عدم إفساح المجال أمام الحركات الإخوانية للتفرد بالحكم وفرض أجندات قد تعيق وتحبط عمليات النمو والتحديث، واستمعت كذلك إلى ردود الأفعال من بعض قادة الإخوان المسلمين في الإمارات وعدد من الدول العربية وجميعها تندد بهذا التصريح وتعتبره متجنياً على الحركات الإخوانية الودودة. وأعتقد أننا نجدها فرصة ليست مناسبة، بل أضحت ضرورة لمثل هذه التصريحات وغيرها التي تنشر شيئاً من التوازن على الأقل، وهو “أي” التصريح يجد فيه السياسي دعوة إلى التداعي لمختلف الهيئات والأحزاب والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني وبعض الحكومات المحبة للتحديث والتطوير ونماء العقول والمعارف وإفساح المجال في مختلف مجالات الحياة أمامها كي تبدع وتعمل على النهوض بالبلاد العربية، وفك أسرها من بعض الحركات والنتوءات المتربصة بالتحديث والتجديد. قلت إنها دعوة طال انتظارها من أجل أن توجد، ومن أجل أن تتوحد كل الليبراليات العربية لتقف إلى جانب بعضها وتساعد توجيهات بعضها، وكما هو الحال في الحركات الإسلامية مع الفارق في التوجه و المقصد. طبعاً يجب أن لا يفهم من هذه الدعوة أننا نقصد الإساءة أو الحط من قدر الحركات الإخوانية كلا!! وكلما نريده هو أن تتوحد هذه القوى الغالبة في المجتمعات العربية، نكرر تتوحد حقيقة في جبهة عريضة تسخر كل إمكانياتها المتواضعة في كشف أجندات الحركات المناوئة للتغيير والتحديث وفي التصدي للمحاولات التي تبذل من أجل تزييف وعي الجماهير العربية ومحاولة شغلها بقشور الحياة بعيداً عن حقها في العيش الحر الكريم وفي حقها من المعارف والعلوم الإنسانية التي تعود بالفائدة على الشعب العربي المغلوب على أمره وخاصةً في يمننا الحبيب الذي لا يزال يعاني من قوى التسلط والتخلف وسيطرتها على مفاصل القرار ولا يعني ذلك أن الصحوة قد خبت بل ما تزال جذوتها مشتعلة والتغيير مسألة حتمية أو البداية له كانت مع شباب الثورة فالفضل لهم بعد الله فهم من فك السحر وأيقظوا في الأمة حالة من الصحو لم يسبق لها مثيل ولا يعني هذا التقليل من حق المثقفين والمفكرين، فقد كانت هناك نجوم متناثرة هنا وهناك تحاول التلميح إلى الاتجاه الصحيح دونما فائدة فقد استشرى التخدير وفعل فعلته في الأمة، وبما يؤجل فقط من صحوتها ذلك لأن الأمم لا تقوى أية قوة مهما بلغت في عتيها عن ثني الناس في محاولة التغيير والتجديد، والتاريخ العربي مليء بالشواهد والمتغيرات على امتداد الساحة العربية ، يبقى فقط عامل التقديم والتأخير في هذا البلد العربي أو ذاك. سبق القول لنا أن هذه الدعوة أتت متأخرة إذا كان يتعين أن تسبق الربيع بسنوات، ذلك لأن العديد من دعاة التحديث والتجديد تعرضوا للانتهاكات والاعتداءات إن لم يكن التصفيات، دون أن يعمل اللبيراليون ودعاة التحديث والتجديد في البلاد العربية على رص الصف والوقوف بصلابة ضد تلك السلوكيات البدائية والهمجية بل لقد كان صمتاً مخيفاً إلى درجة جعل دعاة التشوه والهمجية يتمادون في التنكيل ، وهذا لا يعني الغياب الكلي للأصوات الخيرة، على العكس فقد وجدت هذه الأصوات ولو بشكل ضئيل ونددت قدر إمكاناها بتلك الأفعال المشينة.. لذلك فإننا نجدها مناسبة في الدعوة إلى أن توجد جبهة عريضة على مستوى الوطن العربي وأن يكون لها نظامها و أدبياتها وبرامجها السياسية وكل ما من شأنه التأهيل التام واللازم للمساندة والوقوف صفاً واحداً تجاه أي ممارسة نشاز تتعارض مع الحريات العامة والحقوق المتساوية وحقوق المرأة ومختلف الحقوق في الدولة المدنية والقوانين الميسرة لحياة الناس في أن يعيش على أرضه كريماً ويمتلك قراراته ويشكل حياته على الخط الإنساني المعمول به في مختلف بقاع الأرض. ولكي نتأكد من صدى هذه الدعوة والتي لا جدال أنها سبقتها دعوات لعدد من الكتاب والمفكرين، فإنه يتعين على الجبهة المصرية وهي مقبلة على الانتخابات أن يتخلى البعض عن أنانيته ويتنازل لمن هو أحق منه وأقدر وأن يتفق كل الأطراف والأحزاب والمنظمات وهيئات المجتمع المدني في مصر أي الاتفاق على الشخصيات التي يجب أن ترشح إلى مجلس النواب، هذه الهيئة الأهم في كل الهيئات الثلاث التي تشكل الدولة في البلاد، إذاً يجب أن يحصلوا على الأغلبية في هذه الهيئة وأن تكون رئاسة الهيئة من نصيبهم ذلك لكي يحصل شيء من التعادل والتوازن. وفي هذا الاتجاه فإنه يتعين على القوى الليبرالية في المجتمعات العربية أن تدعم الجبهة المصرية بكل ما تؤتى من قوة، أي بالمادة والكلمة وأن تخصص العديد من الصحف الأهلية والمعارضة وصحف الأحزاب والمنظمات لتخاطب الضمير العربي في مصر وهو ضمير حي ووثاب وتواق لحياة كريمة تسودها الألفة والمحبة والمعرفة. ليس ذلك فحسب بل يجب على الدول والأنظمة التي لا تزال فيها قلوب تنبض نحو الحياة المتطورة الآمنة أن تدعم الجبهة المصرية بمختلف الوسائل والسبل التي ستؤدي إلى أن تحقق الجهة المصرية مبتغاها في الوصول إلى مجلس النواب بأغلبية، لما لذلك من مردود على الأنظمة والتشريعات المتطورة والهادفة إلى تحقيق مختلف الحقوق والحريات. ولا نريد هنا أن نذكر بعض من نسي الدور العربي المصري والريادة المعرفية والفنية والفكرية وما تقوم عليه من تأثير ورفد الحياة في البلاد العربية فدورها الريادي معروف للخاص والعام رغم المحاولات البائسة لطمس هذا الدور ، أو محاولة توجهه بشكل مجافي ومجانب للقومية العربية وتوجهه صوب الدور الإسلامي والوحدة الإسلامية. وعود على بدء فإن الدعوة التي وجهها وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة الاستاذ الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان اعتقد جازماً بأنها دعوة يجب أن تعيها كل قوى المجتمع المدني وأصحاب المصلحة الحقيقية في التحديث والتجديد، وأن يعملوا على التعاطي معها وأن تبدأ بعقد مؤتمر يكون في البلد مصدر الدعوة، أي دولة الإمارات وأن يرعى من كل الأنظمة التي لا يزال فيها قلب ينبض، وأن تدعم مادياً من الدول وكذا المجتمع الدولي، وخاصة الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية لأن في ذلك مصلحة لكل هذه الأطراف. وفي هذا الاتجاه فإن هناك من سيقول بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد رتبت أمرها مع الإسلاميين وستقول باللهجة المصرية وماله فليكن، غير أنه بالغوص إلى الأعماق سنجد أن هذا التوجه للولايات والدول السائرة في فلكها أت بفعل السطو للقائمين على الأنظمة على مقدرات الحياة والتحكم في مختلف مفاصلها أو في الجانب الآخر الصمت المميت للقوى المتنوره في المجتمعات العربية وبشكل رجح كفة الحركات الإسلامية التي كانت تناهض حيناً وتقاوم وتساوم تارة حين تحصل على شيء من نصيبها من الكعكة، ولا نريد إلا أن نركز ونقول أنه في عالم السياسة لا توجد مبادئ دائمة وإنما هناك مصالح دائمة وإنه حين ترجح كفة الليبراليين فلا شك في أن ذلك سيكون فيه من المصلحة للأنظمة الراعية وللشعوب العربية فهل تفعل الخارجية الإماراتية.