الحديث عن النظام الرئاسي يحتاج إلى دراسة متأنية، فإذا كان النظام الرئاسي يقوم على الفصل المطلق بين السلطات وتركز الصلاحيات بيد رئيس الدولة وانتفاء التعاون والمرونة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فإن ذلك نظرياً.. أما عملياً فلم يعهد لهذا الاتجاه مكان في الحياة السياسية الواقعية، ولم يعد بالإمكان عمل كل سلطة منفردة عن السلطات الأخرى؛ نظراً لاحتياجات الحياة السياسية التنفيذية والتشريعية والقضائية، بالإضافة إلى درجة وعي الشعوب التي لم تعد تسمح بتركز السلطة في يد رئيس الدولة دون غيره. وبناءً عليه فإن القول بالفصل المطلق بين السلطات أمر لا يتفق مع واقع الحياة في النظم السياسية المعاصرة. لقد نشأ النظام الرئاسي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكانت نصوص الدستور المركزي تشير إلى عملية الفصل المطلق بين السلطات، وتمنع تداخل السلطات وتعاونها وتحدد عمل كل منها منفرداً عن الآخر، ذلك في الجانب النظري. ولكن تعالوا ننظر إلى واقع الحياة السياسية من خلال الملاحظات التالية: - لا يستطيع رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي تنفيذ مهامه واختصاصاته الدستورية إلا بعد موافقة السلطة التشريعية على الاعتمادات المالية اللازمة، وهذا تدخل من السلطة التشريعية في شأن السلطة التنفيذية. - يجوز للمحكمة الدستورية العليا أن تعلن أن أعمال رئيس الجمهورية لم تعد دستورية، وإذا رفض الرئيس إعلان المحكمة الدستورية تدخلت السلطة التشريعية لإيقاف أعمال الرئيس، وهذا تداخل بين السلطات الثلاث. - في الولاياتالمتحدةالأمريكية يجوز للسلطة التشريعية التحقيق في موضوعات محددة، ويعطى رئيس الجمهورية حق تعيين بعض القضاة، وهذا تداخل جديد يدل على انتفاء مفهوم الفصل بين السلطات. - يعطي الدستور المركزي الأمريكي الفدرالي لرئيس الجمهورية حق طلب السلطة التشريعية للانعقاد في دورة غير عادية إذا رفضت التصويت على مشروعات الرئيس في الدورة العادية. إن الحديث عن النظم السياسية نظرياً يختلف عن واقع الحياة السياسية، ولذلك لا يجوز مطلقاً طرح النماذج أو القوالب الجاهزة دون إخضاعها للدراسة وتحديد عوامل القوة وبواطن الضعف وإبراز الخصوصية الزمانية والمكانية والبشرية. ومن أجل المزيد من الفائدة في هذا الاتجاه سنتناول المزيد من الملاحظات على النظام الرئاسي في العدد القادم بإذن الله.