يوم كان تفكيك الجغرافيا الملاذ الوحيد للعجز عن تفكيك قبضة احتكار السلطة والثروة: في مايو الماضي سألني أحد الزملاء في صحيفة 26 سبتمبر في استطلاع للصحيفة عن رأيي في خيار الفيدرالية وهل هو الخيار الأنسب لليمن؟ حينها قلت للأخ السائل إن إجابة هذا السؤال اليوم تختلف عن الإجابة عليه قبل 2011 حين كان تفكيك الجغرافيا هو البديل المتاح للهروب من عجزنا عن تفكيك قبضة احتكار السلطة، وحينها أغضبت إجابتي بعض الأصدقاء المتحمسين للفيدرالية، وما أزال اليوم أعتقد أننا نعاني من حالة تثبيت وعي على خيارات تنتجها ظروف محددة وتتجاوزها الأحداث ونحن عاجزون عن تجديد خياراتنا البائسة, ولو تأملنا ظروف تبلور خيار الفيدرلية، نجد أننا بعد تحقيق الوحدة الاندماجية عام 1990 دخلت اليمن في نفق أزمة سياسية طاحنة جوهرها احكتار طرف واحد للسلطة الفعلية والثروة وفي هذه الظروف جاء التفكير بمحاولة للهروب إلى تفكيك الجغرافيا بعد شعور النخبة السياسية بالعجز عن تفكيك قبضة احتكار مراكز النفوذ للسلطة، وبعد فشل شريكي الوحدة في دمج المؤسستين العسكريتين والأمنيتين وإعادة هيكلتهما وفق معايير وطنية وحدوية ومهنية بحتة وحينها توجهت الذهنية السياسية نحو خيار الفيدرالية لتلتمس في تفكيك الجغرافيا مخرجاً من عجزها عن تفكيك القبضة العائلية والمناطقية على مؤسسة الجيش والأمن والموارد الاقتصادية, ولأن أطراف الحوار قبلت الدخول في الحوار قبل توحيد المؤسستين العسكرية والأمنية فقد انتهى الحوار بحرب 1994م وخفت الحديث عن الفيدرالية بعد الحرب على أمل أن تتمكن أطراف الحياة السياسية من بناء مؤسسة الجيش والأمن على أسس مهنية ووطنية وبناء دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية، وكانت النتيجة إخفاقاً كبيراً في تحقيق هذا المطلب، واتضح أن مؤسسة الجيش والأمن صارت محتكرة في أسرة صغيرة فظهرت الاحتقانات السياسية والأمنية بسبب هذه الهيمنة في مناطق الجنوب وشمال الشمال وتفجرت الحروب من جديد وتداعت القوى السياسية أواخر العقد الأول من القرن الجديد للحديث عن برنامج إصلاح وحوار وطني وكانت الفيدرالية إحدى الخيارات المطروحة من جديد ومن أهم أسباب إعادة طرحها؛ الاحتقانات الناتجة عن احتكار مؤسسة الجيش والأمن في يد أسرة واحدة، مما أشعر أبناء المحافظات الجنوبية أن الوحدة غيبت وجودهم السياسي وجعلتهم تحت هيمنة بعض المتنفذين في المؤسسة القبلية والعسكرية، وبعد أن أدت هذه الهيمنة إلى إحالة الكثير من العسكريين الجنوبيين الى التقاعد الاجباري، فبدأت مظاهر الحراك السلمي للمتقاعدين العسكريين للمطالبة بإنصافهم ثم تحولت هذه المطالب عندما لم تجد آذاناً صاغية إلى مطالب سياسية تجاوزت حتى خيار الفيدرالية الى خيار فك الارتباط. والسؤال الجدير بالنقاش: هل ما يزال خيار الفيدرالية هو البديل الوحيد للهروب من قبضة احتكار السلطة بعد استحقاقات الثورة الشعبية؟. وفي تصوري أن هذا الخيار كان يمكن أن يكون حلاً واقعياً قبل الانتفاضة الشعبية الأخيرة في 2011م التي تزامنت مع ثورات الربيع العربي والتي انتهت بتسوية سياسية فتحت الأبواب مشرعة لإنهاء احتكار السلطة بعد انتخابات 21 فبراير2012 وصار قرار تفكيك القبضة العائلية على مؤسسة الجيش والأمن محل اتفاق موثق باتفاقية إقليمية وآلية دولية، ولهذا أظن أننا بحاجة أولاً قبل طرح خيار الفيدرالية إلى استكمال هيكلة مؤسسة الجيش والأمن وفق معايير وطنية وحدوية مهنية وإنجاز الاصلاحات القضائية لتعزيز استقلالية القضاء وفرض هيبة الدولة وسلطة النظام والقانون وإتاحة الفرصة للحوار وتحويل الوحدة الاندماجية إلى خيار جذاب مع تعزيز اللامركزية والحكم المحلي الكامل الصلاحيات وتحديد فترة زمنية محددة لاختبار هذا الخيار ومدى نجاحه مع استمرار الحوار الوطني للنظر في البدائل، لأني أظن أن بناء دولة المؤسسات سيقلص دواعي البحث عن الفيدرالية حين كان طرح الفيدرالية كما أشرنا عبارة عن هروب إلى تفكيك الجغرافيا للشعور بالعجز عن تفكيك القبضة العائلية والمناطقية والحزبية على مؤسسة الجيش والأمن. السبيل إلى تفكيك قبضة احتكار السلطة: تفكيك قبضة احتكار السلطة صار مطلباً ملحاً لا يمكن تجاوزه كونه أهم الاستحقاقات التي فرضتها الصورة الشعبية وما أنتجته من تأزم سياسي. وتفكيك قبضة السلطة اليوم يحتاج الى قرار والقرار بحاجة إلى ضغط شعبي وخبرات فنية تعتمد على طريقتين في التفكيك: الطريقة الأولى : طريقة الترتيب التنازلي: ويمكن تسميتها طريقة ضرب رأس الحية الكفيلة باستسلام سائر جسدها. الطريقة الثانية: طريقة الترتيب التصاعدي ويمكن تسميتها بطريقة إتيان البنيان من القواعد، ولكل طريقة مخاطرها مما يستلزم مرونة التخطيط والمزاوجة بين الطريقتين، فتطبيق الطريقة الثانية يحتاج أحياناً إلى الاستعداد السريع إلى العودة إلى الأولى حين يتسبب ضرب ذيل الحيات الكبيرة إلى دفع الرؤوس إلى ممارسة اللذع العقابي وطريقة ضرب الرأس مباشرة قد تؤدي إلى خروج جميع العقارب الصغيرة في وقت واحد. مما يعني أننا بحاجة إلى دينامكية مرنة في صناعة القرارات والترتيب الذكي لمواجهة كل التوقعات الممكنة. وفي جميع الأحوال يجب أن نتفق أولاً على تفكيك قبضة احتكار السلطة قبل التفكير بالهروب إلى أي خيارات أخرى. رابط المقال على الفيس بوك