أن تتحول الاحتجاجات المطلبية إلى حالة من الهذيان الجماعي في كل القطاعات وفي وقت واحد، لا يمكن أن يتيح ذلك للحكومة فرصة التفكير أو التدبير لما هو حقاً قانوني وما هو مجرد محاكات لعقلية القطيع .. وأي حكومة، أي دولة في العالم تظل إمكاناتها محدودة، فما بالك بدولة من دول العالم الثالث الأكثر تخلفاً والتي من الصعب عليها الوفاء بمتطلبات واحتياجات شرائح واسعة من القطاعات التي ظلت صامتة وراضية عن أوضاعها لفترة غير قصيرة من الزمن وانتفضت في آنٍ واحد .. فمن عمال النظافة إلى سائقي الشاحنات ، إلى سائقي الدراجات النارية ، موظفو القطاع العام ، البنوك ، المصانع .... إلخ من القطاعات التي تخرج من هنا وهناك رافعة شعارات المطالبة باستحقاقات، سواء كانت كيديه أو قانونية .. في الوقت الذي تنشغل فيه قيادة الدولة بمهام تضميد الجراح وترتيب أوضاع الفترة الانتقالية . وفي سلم الأولويات هناك ماهو ضروري غير قابل للتأجيل .. ثم ماهو أكثر أهمية .. ثم ماهو مهم .. وبالتالي تتصدر الاحتياجات الضرورية قائمة الاولويات التي لا يمكن أن تستمر الحياة بدونها ، الذي يتطلب من الحكومة توفيرها وفقاً لإمكاناتها المتاحة .. مع السير قدماً في اتجاه تنمية الإيرادات العامة ، وحتى لا تتدحرج الحكومة أو يسقط النظام، فلا يمكن أن نبني بلادنا بالاستمرار في اتباع نزعة أو عقلية القطيع (قطيع الاحتجاجات) قطيع المؤتمرات ، أو قطيع مقايل القات .. علينا أن نفرق بين الربيع والقطيع .. فليس كل قطيع يخرج ويهتف بسقوط فلان أو علان يعبر عن مطالب حقوقية .. ولا بد أن نعطي فرصة للحكومة لتلتقط أنفاسها ، أو تمسح دموعها .. والتفكير فيما يمكن أن يخدم أمتنا وشعبنا بعيداً عن المماحكات السياسية .. إن بناء اليمن المتطور لا يمكن أن يتحقق في زحمة التدافع والاحتجاجات من أنحاء مختلفة في الخارطة الجغرافية اليمنية .. كما أنه لا يعني ذلك إهمال مطالب الناس الشرعية والحقوقية .. وسيكون من المفيد التعامل مع قطاعات المحتجين بشيء من المصداقية والمواجهة، لا أن يتم اختراق تلك المجاميع ودهسهم بعجلات السيارات كما حدث أمام بوابة مجلس النواب .. مثلما لا يمكن لأي بنك تلبية مطالب جميع عملائه في سحب أرصدتهم في آنٍ واحد، لأن ذلك سوف يعني الإفلاس المحقق حيث تقوم فكرة البنك على نسبة معينة من السيولة النقدية وعلى افتراض أنه لا يمكن أن يقوم العملاء بسحب كل ودائعهم في وقت واحد .. الأمر الذي يجعل المركز المالي للبنك محاطاً بالسرية الكاملة حفاظاً على استمرارية الثقة بين البنك وعملائه .. كذلك الحال بالنسبة للحكومة يجب أن تحافظ على مستوى من الثقه بينها وبين المواطن .. وبينها كقيادات وبين كوادرها الإدارية، وبالتالي فأي حكومة لا يمكن لها أن تحقق مطالب الجميع بصرف النظر عن قانونيتها في وقت واحد لسبب بسيط يتمثل في (محدودية الامكانيات) وبالتالي لابد من المصارحة، ما لم فإن مصير حكومة لا تمتلك رؤية لبناء تنموي سليم ، وفي نفس الوقت لسياسة أو إعلام غير قادرعلى إقناع قطاعات المحتجين بكيفية التعامل مع مطالبهم وفقاً للأولويات .. والإمكانات المتاحة فإن مصير تلك الحكومه هو السقوط إلى الهاوية مهما كانت الخلفيات الثورية التي تستند عليها . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك