الأحد الماضي، كان يوماً استثنائياً في صنعاء، على المستوى السياسي، بحضور أعضاء مجلس الأمن الدولي أو من ينوبهم، لإظهار الدعم السياسي، لمرحلة انتقالية، تواجه كثيراً من العثرات.. كذلك كان استثنائياً بما فرضته السلطات الدولية من إجراءات أمنية مشددة، لحماية “الضيوف”، ابتداءً بتحليق الطائرات، ووصولاً إلى حظر الدراجات النارية، وتنظيم حركة المرور، رغم الازدحام في محيط المنطقة المغلقة التي احتضنت الاجتماعات.. حضرت الدولة بشكل لافت للغاية، واختفى المسلحون الذين ينتشرون في الشوارع والأسواق العامة، بشكل مستفز.. اختفت تماماً السيارات غير المرقمة، التي أصبحت موضة لدى كثيرين، لسبب أو بدونه، أو لإظهار القدرة على الاستعراض في ظل رخوة أمنية، غير مبررة غالباً.. كان يوماً بلا ضجيج دراجات، بيد أن أربع مروحيات، كانت كفيلة بإزعاج مضاعف.. اختفى شبح القناص الذي يستقل دراجة نارية، بسلاح كاتمٍ للصوت، وأصبح في الفترة الأخيرة مسؤولاً عن كثير من حوادث الاغتيالات التي طالت عدداً من كبار الضباط الأمنيين والعسكريين في صنعاء ومختلف المدن. هي إجراءات طارئة، ولو كانت مألوفة لدى أجهزة الدولة، والمواطنين، بشكل دائم، لكانوا وفروا على أنفسهم ذلك الاستنفار المقلق وسط دعوات الحريصين و«عديمي الثقة»، بأن «يعدّي هذا اليوم على خير».. قليل من ذلك الحضور، كفيل بحل كثير من مشاكل الناس، وخفض منسوب الجريمة، والحد من ظاهرة الإرهاب، والانفلات الأمني الحاضر وبفجاجة. وأساس المشكلة الأمنية هو انتشار السلاح، وغياب قدرة الأجهزة الأمنية على التعامل مع المسلحين، الذين يتبعون مراكز قوى ونفوذ ومشايخ، وإذا ما تمكنت من ضبط وتقنين هذه الظاهرة، وفرضت القانون على الجميع بمعيار المساواة بين الناس، تكون قد حلت أغلب المشكلة الأمنية. الأمر ليس مستحيلاً ولا مستعصياً، فالدولة إن وجدت الإرادة للحضور، ستكون أقوى من كل مراكز القوى والنفوذ، وهي قادرة على فرض المساواة، بين الناس، في إطار منظومة أمنية وقضائية وخدماتية متكاملة إلى حد معقول.. ليس مطلوباً، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية للمواطنين، حظر الدراجات النارية بشكل نهائي، كما حصل الأسبوع الماضي.. بإمكان السلطات المعنية تنظيم حركة المرور، وعمل الدراجات النارية، التي من الممكن السماح لها بالعمل في أحياء وشوارع فرعية لا تمر فيها وسائل النقل العام، دون الشوارع الرئيسية.. وفي هذا الجانب بالذات، فإن الإنجاز الأكبر لإدارة المرور، هو الفشل الذريع في ضبط الحركة المرورية، بفعل الفوضى العارمة في حركة السير خصوصاً في العاصمة صنعاء ، حيث مركز الدولة، وهذا ما يدركه أي موظف يقصد عمله صباحاً، ليضطر للدخول في زحمة سير خانقة تؤخره عن موعد عمله، تبعاً لقطع الشوارع من قبل باصات النقل الصغيرة والمتوسطة وسيارات الأجرة التي تنتشر كقطيع بلا راعٍ.. أحياناً تحضر الدولة، في شخص رجل مرور، يؤدي عمله بمسؤولية، وينظم حركة السير، ويوفر على المواطنين كثيراً من الوقت بقليل من الالتزام.. وأحياناً تغيب الدولة في السجون المحصنة، التي تكررت فيها أعمال العنف عشرات المرات خلال العام والشهر الماضي، ما أدى لفرار سجناء، بعضهم مدانون بجرائم قتل أو متهمون بالارهاب، وأحياناً سقوط ضحايا في بعض الحالات، ولا يقلل من مقتلهم التبرير بكونهم محكومين بالإعدام.. وإذا لم تحضر أجهزة الدولة في ضبط السجون، وتحسين أوضاعها وظروفها، فما الذي ستقدر عليه، وأين ستحضر، أكثر في غير السجن؟. يستحق المواطنون أن تؤمن حياتهم، وبنصف تلك الاجراءات، التي حضرت الأسبوع الماضي على الاقل، بدلاً من تكدس الجند ورجال المرور والأمن في ثكناتهم ومنازلهم.. وبالأحرى بدلاً من تكدس الدولة في المكاتب والخزانات.. ينتظر اليمنيون بفارغ الصبر هيكلة الداخلية، وأجهزتها الامنية، كآخر مبرر لغياب الأمن، وهشاشة أداء تشكيلاتها.. بعدها لن يكون مقبولاً بأي حال من الأحوال استمرار حالة الغياب المستمر والمعيب من السجون إلى الشوارع الرئيسية في قلب العاصمة وقرب أهم مؤسسات الدولة.. وبالتزامن مع ذلك تعزيز استقلالية السلطة القضائية لتمارس مهامها بما يضمن المساواة بين المتقاضين ودون تدخل أو تداخل لأجهزة الدولة التنفيذية في اختصاصاتها.. فالدولة التي تألف الغياب والهشاشة، تحضر عند الضرورة بشكل غير مسؤول، أو بخفة تفقد معها كثيراً من هيبتها، وتاخذ وقتاً لتضميد جراح حضورها الطارئ..ولا بديل لغياب الدولة ومؤسساتها إلا بحضورها فقط.. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك