كل الشواهد الملموسة والمحسوسة تؤكد أن اليمنيين ارتضوا الحوار بديلاً عن الاختلاف والتنازع مهما تبدت ضخامة تحديات المرحلة وفي مقدمتها تلك التباينات التي ظهرت في الرؤية إلى شكل ومضمون الدولة المنشودة .. وهي قضايا – ولا شك – سوف تطرح على طاولة البحث في مؤتمر الحوار الوطني بكل شفافية ووضوح. ومن المهم في هذا الأمر- أن يكون الاحتكام في نهاية المطاف وعند كل اختلاف -إلى تغليب منطق الحوار الذي لم يعد قناعة محلية فحسب، وإنما أضحى مشفوعاً بإرادة إقليمية ودولية، بل ومنطقاً تعززه قيم التراث الإنساني وتجارب الشعوب عبر التاريخ. وفي تأكيد تلك الحقائق الدالة على قيم الحوار ، لست بحاجة إلى استعراض انتكاسة الأمم التي خانتها ذاكرة الوعي الجمعي بأهمية اللجوء إلى الحوار وانساقت – بدلاً عن ذلك – إلى خيارات الاحتكام إلى منطق العنف وقوة السلاح ، فكان نتاج ذلك أن حصدت خيبة التخلف وفجيعة الكارثة ولعل استحضار مثل تلك التجارب المريرة تفرز أسئلة ذات أهمية قصوى بالنسبة لنا نحن اليمنيين ، خاصة وبعضنا يتأرجح بين التردد في القبول بمبدأ الحوار وبين الاحتكام إلى سياقات بديلة لن تفضي في النهاية إلا إلى حقيقة واحدة وهي العودة والاحتكام إلى الحوار. حتى الآن تبدو جميع القوى على الساحة الوطنية متفقة على قيم وآليات الحوار ، حيث تتهيأ للمشاركة في مفاعيل هذا الاستحقاق الحضاري عبر نافذة مؤتمر الحوار الوطني الذي سينطلق بعد يومين ليؤكد مرة أخرى أن الحكمة ما تزال ماثلة في الذهنية اليمنية، لكن ذلك لا يعني بالمطلق أن ثمة قيادات لا تزال تجتهد في إعلان الموقف الرافض المشاركة في هذا الحوار على الرغم من كل التطمينات بأن لا سقف محدد لتناول مجمل قضايا وإشكالات الوطن في إطار هذه العملية الحضارية وبالتالي – ومن منطلق المصلحة الوطنية – فإن المسؤولية التاريخية لا تعفي هذه القيادات من تحمل أعباء ومترتبات التخلف عن مواكبة هذا التحول باعتباره الوسيلة الأنجع لحل مشكلات المجتمع اليمني ووضع نهاية لكل المظالم التي لحقت بالقضية الجنوبية تحديداً خلال فترة ما بعد أزمة وحرب صيف 1994م ، فضلاً عن أن هذا الأمر لا يعفي أيضاً النخب السياسية والأسرة الإقليمية والدولية الراعية للمبادرة الخليجية في أن تواصل جهدها لإقناع هذه الأطراف والقيادات المتحفظة على المشاركة وذلك من خلال تقديم المزيد من التطمينات بأن المرحلة المقبلة لا يمكن أن تعيد إنتاج أزمات الماضي وبأنها ستكون بمثابة حلاً جذرياً لكل معاناة اليمنيين وإيذاناً بانطلاقة مستقبل مبشر بالخير والنماء. في اعتقادي – المتواضع – أن ثمة حاجة ملحة أيضاً بتفعيل وتائر العمل لإنجاز مهام معالجة مترتبات الفترة الماضية وبخاصة تلك المرتبطة بقضايا المسرحين في السلكين المدني والعسكري إثر حرب صيف 1994م وتمكين الدولة والأفراد من استعادة ممتلكاتهم التي تم الاستئثار بها عقب الأزمة والحرب المؤسفة .. وهي خطوات بالتأكيد سوف يكون لها أثر إيجابي على صعيد إشاعة مناخات من التفاؤل بأن عملية الحوار الوطني القادم ليست مجرد حفلة زار، وإنما عملية اصطفاف داخلي وخارجي غير مسبوق يهيئ مناخات قيام الدولة المنشودة التي طال أمد انتظارها منذ أن انطلقت شرارة الأمل في خمسينيات القرن المنصرم. رابط المقال على الفيس بوك