• تزايدت مؤخراً حوادث الأخطاء الطبية في المشافي العامة والخاصة على حد سواء، وأصبح من المألوف أن نسمع أو نقرأ هنا وهناك عن قصص لأُناسٍ شاء القدر أن يُصاب أحد أفراد أُسرهم بوعكة صحية فبادروا بإسعافهم إلى المستشفيات طمعاً في الحصول ولو على أدنى مستوى من الخدمة الصحية لكنهم وقعوا ضحية الاجتهادات والتشخيص الطبي الخاطئ من قبل من يُطلق عليهم مجازاً أطباء، فكانت النتيجة إما وفاة المريض أو خروجه من المستشفى بعاهة مستديمة ستلازمه طوال العمر أو ناقص عضو تم بتره بسبب تشخيص خاطئ. • ورغم تكاثر هذه الأخطاء إلا أننا لم نسمع عن أي تحقيق في هذه الحوادث أو محاكمة مرتكبي الأخطاء الطبية التي صارت بمثابة سلوك شبه يومي يمارسه الغالبية العظمى من الأطباء دون وازع من ضمير أو أخلاق أو دين، يقترفون مثل هذه الجرائم دون أن يحاسبهم أحد، ولو أننا نقدر النفس البشرية ونضع لها قيمة لكانت هناك إجراءات رادعة ضد هؤلاء المستهترين بحياة البشر. • تفشي الأخطاء الطبية هو نتيجة طبيعية للفساد المستشري في كافة مفاصل القطاع الصحي (أماكن وتجهيزات وشخوص)، حيث إن خدمات هذا القطاع متدهورة جداً وأصبحت أكثر رداءة من ذي قبل بل وتكاد تكون معدومة، وهذا التدهور ليس وليد اللحظة ولا علاقة له بما مرت به البلاد من أحداث مؤخراً إنما يعود إلى سنوات خلت ولا يزال يزداد سوءاً مع مرور الأيام، في الوقت الذي لا نلمس فيه أية جهود لتطوير هذا القطاع وتحديثه وتمكينه من القيام بدوره الإنساني الهام في المجتمع. • الزائر للمرافق الصحية الحكومية سيجد أنها تفتقر لأبسط مقومات الرعاية الطبية والصحية، ورغم العدد الكبير من المناقصات التي يتم الإعلان عنها في الصحف الرسمية حول طلبات شراء أدوية ومستلزمات ومحاليل طبية لهذه المرافق إلا أن المريض لا يجد شيئاً منها، ويجب عليه أن يشتري كل مستلزمات العلاج من خارج المستشفى ولا مجال لحصوله على أبسط المستلزمات مثل “الشاش” أو حتى “البارامول”.. وهو ما يجعلنا نتساءل: أين ينتهي المطاف بهذه المناقصات وأين تذهب كل الأدوية والمستلزمات الطبية التي تحصل عليها هذه المرافق؟! • العاملون في المرافق الصحية من أطباء وممرضين هم أحد أوجه الفساد الذي يرزح تحته القطاع الصحي بسبب إهمالهم ولا مبالاتهم بعلاج ومداواة المرضى بعد أن صار العمل بالنسبة لهم في المرافق الصحية الحكومية ليس أكثر من وسيلة لجذب المرضى لعياداتهم أو المستشفيات الخاصة التي يعملون فيها، محولين مهنة الطب إلى تجارة اختفت معها علاقتهم بهذه المهنة الإنسانية النبيلة، كما اختفت من قلوبهم الرحمة والمشاعر الإنسانية في تعاملهم مع المرضى، حيث الحقيقة تقول إن غالبية العاملين في القطاع الصحي أصبحوا ينظرون إلى المريض على أنه زبون وليس إنساناً، وبدلاً من أن يعملوا على تخفيف آلامه، يتلذذون بإيلامه، فقط يفكرون بمنطق الربح والخسارة وما سيجنونه من فوائد ولو على حساب صحة إخوانهم البشر. • نفس الواقع الصحي المؤلم نجده في المرافق الصحية الخاصة وتزيد عليه بارتفاع تكاليف العلاج الباهظة، حتى من يُطلق عليهم الأطباء الزائرون الذين تستقدمهم هذه المرافق الخاصة إنما الغرض من جلبهم مادي بحت ولا علاقة له بتقديم الخدمات الطبية، وذلك لأنه لا يقدر على تلبية زيارتهم سوى الميسورين من الناس، نظراً لرسوم العلاج الباهظة، إضافة إلى أن أغلبهم في ظل غياب الرقابة الطبية الحقيقية لا ندري هل هم فعلاً أطباء وحاصلون على شهادات عليا ويدرسون في أعرق الجامعات، وغيرها من الأوصاف الواردة في الإعلانات الدعائية التي تنشر عنهم أم لا، خاصة وأن لدينا تجربة سابقة في مجال التعليم، حيث كان يتم استقدام مواطني بعض الدول العربية تحت مُسمى مدرسين ومعلمين لنكتشف لاحقاً أن لا علاقة لهم بالتدريس لا من قريب ولا من بعيد بل إنهم لا يحملون أية شهادات جامعية. • إن أشد وأخطر أنواع الفساد هو ذلك الذي يعاني منه القطاع الصحي ونلمسه في المرافق الصحية من مستشفيات ومراكز طبية، حيث الفساد هنا يمس حياة الناس وآدميتهم، وأي إهمال أو تسيب في هذا الجانب إنما يعني العبث بحياة الناس، كما أن ترك المريض فريسة لآلامه وأوجاعه هو بمثابة القتل العمد “ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه وأعد له عذاباً أليماً”. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك