التذكر بوابة للنسيان كبيرة, نلج منها لننسى بعدها كل شيء, كأن لم يكن, هذا هو حالنا المشاهد, إذ نرى أنفسنا بارعين ومبدعين, فكما أن النسيان نعمة, فالتذكر نعمة أيضاً, ومفتتح لنقمة ما قادمة, عشنا حياتنا ونحن نتذكر, ننام على ضجيج الذكرى والتذكر والذكريات, حكايات الجدات نصفها إن لم يكن الأكثر تذكراً, تفاصيل بوحنا وكلامنا تدور حول الذكريات القديمة وأحيانا في خلقها وابتكارها.. نقاشات وخطابات سياسيينا ومثقفينا ذكريات واسترجاع لفصول من المآسي, اختزنتها ذاكرتنا الجمعية إلى اليوم, لا أحد يملك إلا التذكر, والأحداث تزيدنا ذكريات وذكريات, بل وتضاف مقاطع جديدة منها: يوم سقوط الطائرة السوخوي في شمال العاصمة جنوبها شرقها غربها حتى الجهات تحتاج منا إلى تذكر وتذمر في نفس الوقت.. يوم تحطم الطائرة الجاري جمل, يوم مقتل الطيارين الغلابى, وهكذا.. حق لليمن أن تفخر بأنها تمتلك أكثر من أربعة وعشرين ذاكرة متنقلة, تختزن آلاف الذكريات والأحداث والمنعطفات والآلام والكوارث, يوم مقتل الإمام, الزبيري, الحمدي, الغشمي, سالمين, عبدالفتاح...إلخ يوم خروج فلان ولم يعد علان ولم يظهر ابن زعطان, هكذا نؤرخ لذاكرتنا وكأن شيئاً لم يحدث وببرود عظيم, تحتاج أحياناً فيها ذاكرتنا للفرمتة والتصفية الإجبارية, نبوح وكأننا نلقي قصيدة غزلية: أحداث 13 يناير, حرب صيف 94, وكأننا كنا في نزهة صيفية أو في حفلة تنكرية, لا من (شاف ولا من درى).. المهم من كل ذلك بأننا ما زلنا نتذكر, ونطمح بأن يكون التذكر مادة علمية تدرس لأجيالنا القادمة, ومن سنوات الحضانة, فالتذكر مهمة يومية وروتين لكل الناس في المقهى في العمل, وقت القات, النوم, في النقاشات الفكرية, في الجدل, في التعارك, في مؤتمر الحوار.. ومن المؤسف بأنا من يوم 11 فبراير 2011م, ونحن نتذكر ولجنا الخيام وقد سبقنا إليها الساردون والحكاون, فظلننا نتذكر: عبدالعالم وأحداث الحجرية, مجازر الناصريين, الجبهة والمناطق الوسطى, المخفيون قسراً, المقتولون غدرا, المساكين, المغلوب على أمرهم, علي محسن, الزنداني, وهلم جرا.. خرجنا ولم ننس, نردد كأسطوانة مشروخة, ندور في حلقة مفرغة لا نهاية لها, وإن أضفنا أحداثاً جديدة واكتسبنا للتاريخ وقائع وأرقاماً مهولة, تزيد وتنقص على حسب المتذكرين والمتذكرات الأحياء منهم والأموات.. فها نحن نتذكر الأيام والليالي السوداء المحارق, الشهداء, الخيام, الرفاق, الإخوان, بقايا النظام, القتلة, الأعدقاء, الشعارات, الوجوه, ومع كل هذا غابت الأهداف الطموحات, الأحلام, المشاريع الشبابية, الدولة المدنية, المواطنة, التعايش, القبول بالآخر, فلننظر سوياً إلى رؤى الأحزاب بتعدد أفكارها وأيديولوجيتها, فهم يتذكرون الماضي البائد, وينسون الماضي القريب, لكن يبقى الأمل بأنا ما زلنا نتذكر وبصدق: أحداث مجلس الوزراء, الزراعة, القاع, هذا في صنعاء, نتذكر الاثنين الدامي, المحرقة, التربية, مدرسة الشعب, ما يخص تعز وذكرياتها التراجيدية المحزنة, نتذكر أمكنة ووجوهاً كثيرة وبلقطات مشوشة: وادي القاضي, جبل جرة, نقم الحصبة, حي صوفان, شهداء الكرامة, أرحب, نهم, أبين, خراطيش المياه, قنابل الغاز, راجمات الصواريخ, أخت هاني الشيباني, أناشيد الثورة, جيشها, توكل كرمان, بشرى المقطري, سيف حاشد, فؤاد الحميري, الطفل أنس السعيدي, شهيدات الثورة, الحرس الجمهوري, الفرقة, المبادرة, صعدة, الجنوب, اللجنة الفنية, مؤتمر الحوار, نبيلة الزبير, أروى عثمان, يحدث في تنكة بلاد النامس, يعني ما زلنا نتذكر, وللقصة بقية, والجرجوف مازال بيننا, وإلا كيف تشوووووفوا.. رابط المقال على الفيس بك