مازالت بلداننا تعاني من تعددية التناقضات وتفجير المواقف، فبعد ثورات الربيع توزعت سيناريوهات مختلفة أقلها ضرراً.. اليمن، فالتوافق والوفاق تحت مظلة المبادرة الخليجية وأهم مخرجاتها مؤتمر الحوار بالطبع الناس، معاصرو لحظة الثورات قلقون وعجلون وقد يكونون تحت وطأة الأنظمة السابقة وشموليتها وقسوتها لم يروا خيارات أفضل وخلفت لنا حالة من السادية للأحزاب والقوى المتسلطة، فالثورات مساراتها زمناً طويلاً وليس الأمر حزب يستلم السلطة، ليس الأمر القبول بأن نتائج الانتخابات ستنتج حكماً رشيداً عادلاً وليس الأمر أن نلتفت إلى الخلف ونترحّم على الأنظمة السابقة، فرغم مساوئها كانت أقل طمعاً، أو لعل طول بقائها كفاها عن اللهث وتهادنت وتكتكت. لابد أن تعصر الشعوب ثقافتها وتبحث من بين أبنائها المخلصين عن الخلاص، وما هبّت رياح الربيع العربي إلا وتفجرت قرائح العامة وظللتها القوى القادرة مادياً ومعنوياً وتغاضت بل وتغلّبت الأحزاب الأخرى على اختلافها، بعضها تكتيك مؤقت وكلٌّ بحسب همته وما يناله من كعكة النصر والاحتواء للثورة الشعبية السلمية، وهو سيناريو تراوح بمنحنيات مختلفة، ولكنه متقارب في النهاية مصر، اليمن، تونس، ليبيا، وسوريا، لم يحن بعد. يعتقد البعض أن ما يجرى هو حراك إسلامي يبرز الإسلام كفكر ووسيلة لا يدرك حالات تجاوز القوى الأضعف أفراد وجماعات. وهناك بالمقابل تباينات وتطرفات فيما بين الإسلام السياسي ومحاولة تقديم كل طرف منه رؤاه.. وبالمقابل أعلى وتيرة ذلك ما شهدته التجربة المتطرفة للبعض من حالات تجييش للناس تستغل المناسبات الدينية لإبراز عضلات، أقصد حجم المجاميع البشرية التي قد لا تكون تابعة لهذا الحزب أو ذاك، وإنما هي دعوة لهم وتكون أشبه بالفسحة لأناس يعانون شظف العيش، وعدم الخروج من إطار القرية إلا للقبر، وسيان عندهم إن جاءوا سيراً على الأقدام أو حشروا وقوفاً في سيارة قلاب أو جلوساً تحت هجير الشمس، وإذا ما صدمته سيارتهم فهذا قضاء وقدر، وهذه هي قيمة الإنسان اليمني عند هذا الحزب أو ذاك أو القوى المستقلة أن هذه التجمعات تصنع النصر، وهي لا تدري، الأمر يحتاج لقراءة واقعية للخريطة السياسية الحالية، ولابد من قراءة للتاريخ السياسي المعاصر وأساليب الشمولية في حكوماتنا العسكرية والقومية والاشتراكية، ومخاطر التجييش للناس والإنفاق على ذلك يضاف إليه التعبئة السياسية والإعلامية. لذا نحتاج في بلدان الربيع العربي نظرة تأمل ثاقبة تدرس ماضي النظام السابق، وتجاوز سلبياته واحترام التنوع السياسي والديني والمذهبي والثقافي.. فالواقع الراهن لا يمكنه التعامل بآليات الماضي من منع وقسر، فالعولمة وسرعة نشر المعلومة وتكريس قيم الحق والعدل، وأساليب الاحتكام للقوانين عوامل هامة في توسع الأفق عند أطراف العملية السياسية بما فيه الأفكار والمعتقدات ومن الصعوبة بمكان اليوم فرض فكر، ثقافة، أحادية ولا يمكن للتطرف أن يفرض ذلك بقوته العسكرية، ولابد أن ندرك أن الإسلام كدين وفكر جاء بالإقناع والحكمة والموعظة الحسنة ونماذج من الشخصيات التي أثرت على نفسها قيم العدل والحق والمساواة،ومات نبينا محمد وهو فقير وكذلك خلفاؤه الراشدين وخلفوا لنا تراثاً ننهل اليوم منه ونرجع اليوم إليه لنذكر من يحاول أن يقدم نماذج مغايرة أو يثرى مادياً زاعماً أنه يدعم الإسلام ناسياً أن للكعبة رباً يحميها وملايين بل مليارات المسلمين البسطاء رغم الفوارق المادية والطبقية ومعاناتهم، لم يبعدوا عن الإسلام بل يغترفوا من قيم المحبة والبساطة.. لذا نحتاج لأناس وسطيين يقنعون الناس بالدين دون تصدير أفكارأو ترويج للمذاهب ومحاولة الكسب واقتسام القرى والشوارع وعلى أولئك أن يبرهنوا صحة إسلامهم بالجلوس مع بعضهم والكف عن الإساءات المتبادلة، والخروج من التراشقات الإعلامية وضخ الكراهيات وتناسي مجريات العالم دون اللحاق بركب التطور والحد من الاحتقان وتجييش الشباب قبلياً ومذهبياً ودينياً وقوداً ودماءً كان الأحق أن يرسلوهم إلى مقاعد الدراسة، وأن يصل هؤلاء الفرقاء إلى ثوابت وطنية ومذهبية تضيف قيمة أخلاقية لثورات الربيع العربي ولا ينسى هؤلاء أن الثورات الربيعية قامت لقمع الأنظمة السابقة والتغيير فلا يكرروا ذلك، وقمعها للحريات والحقوق ونشرها الفساد وتعجرفها عن الجنوح للسلم. رابط المقال على الفيس بوك