يقول بديع الزمان: وإياك أن تقول: سأمضي حياتي وأعيش كالحيوانات! لأن الماضي والمستقبل محجوبان عن الحيوان، فهما في حكم الغيب بالنسبة له. فلقد أنقذه الحكيم الرحيم من آلام لا حد لها، بحجب الغيب عنه، حتى إن الدجاجة المخلوقة للذبح لا تستشعر ألماً ولا حزناً إلا أثناء مرور السكين على عنقها، لكن ذلك سرعان ما يزول وينجو منه أي إن رحمة الخالق الحكيم الواسعة ورأفته الكاملة وشفقته على الخلق تتجلى بعدم إعلام الغيب، وهي تتجلى بوضوح تام في الحيوانات البريئة. ومن هنا.. فأنت لا تستطع أن تستمتع أبداً بلذة غير مشروعة بمثل ما يستمتع به الحيوانات بل إلى أسفل منها بألوف الدركات؛ ذلك لأن عقلك يشعر ويرى ما هو غيب لدى الحيوان، فيتألم منه، فأنت محروم من الراحة التامة التي يشعر بها الحيوان من ستر الغيب أمامه كلياً. أما سبب تفوقك في أمور الدنيا فمرده، أنك أشبه ما تكون بذلك اليهودي الصائغ المعتوه الذي دفع ثمن الألماس لشراء قطع زجاجية ظناً منه أنها الألماس، فأنت كذلك تبذل ما تستحقه الحياة الدائمة الواسعة من جهد في زمن قصير جداً وتحصره فيه، فلا عجب أن يحالفك التوفيق في ذلك النطاق المحدود، وإذ تتوجه إلى الدنيا بكل ما فيك من حرص شديد ومحبة عارمة وانتقام شديد يسع زمن سنة واحدة وتصرف هذه المشاعر كلها في دقائق معدودة، فلا غرابة إذاً أن تتفوق مؤقتاً على أهل الدين. وحيث إن كلاً من عقلك وروحك وقلبك ومشاعرك قد ترك وظائفه الأساسية السامية من جراء الانهماك والمشاركة في أمور النفس الأمارة الدنيئة وتلبية رغباتها وأهوائها الخبيثة، فلا عجب أن تتفوق على المؤمنين في الدنيا، ولا غرابة أن تبدو في الظاهر أكثر بهجة منهم، حيث إن قلبك وعقلك وروحك قد تدنت دناءة في منتهى السقوط، بل مسخت مسخاً كلياً فانقلبت إلى خدمة رذالة الهوى والنفس الدنيئة فمن هنا لا شك أن تكون لك موفقية موقتة تكسبك نار جهنم، وتكسب المؤمنين المظلومين الجنة الخالدة. فائدة: هناك من الناس من تشبه أخلاقه أخلاق الدجاج في كثر الوقوقة، لكنهم لا يملكون أخلاق الدجاج في رعاية كتاكيتها بوازع من الرحمة والمسئولية. رابط المقال على الفيس بوك