يقوم الإمام النورسي عن حقيقة التوحيد في النكتة الرابعة: إن الوجدان لا ينسى الخالق مهما عطل العقل نفسه وأهمل عمله، بل حتى لو أنكر نفسه فالوجدان يبصر الخالق ويراه، ويتأمل فيه ويتوجه إليه، والحدس الذي هو سرعة انتقال في الفهم يحركه دائماً. وكذا الإلهام الذي هو الحدس المضاعف، ينوره دوماً، والعشق الإلهي يسوقه ويدفعه دوماً إلى معرفة الله تعالى، ذلك العشق المنبعث من تضاعف الشوق المتولد من تضاعف الرغبة الناشئة من تضاعف الميلان المغروز في الفطرة، فالانجذاب والجذبة المغروزة في الفطرة ليس إلا من جاذب حقيقي. وبعد ما تبين لك هذه النكات، أمعن في الوجدان لترى كيف أنه برهان مودع في نفس كل إنسان يثبت التوحيد، ولتشاهد أيضاً أن قلب الإنسان مثلما ينشر الحياة إلى أرجاء الجسد فالعقدة الحياتية فيه، وهي معرفة الله تنشر الحياة إلى آمال الإنسان وميوله المتشعبة في مواهبه واستعداداته غير المحدودة، كل بما يلائمه، فتقطر فيها اللذة والنشوة وتزيدها قيمة وأهمية، بل تبسطها وتصقلها، فهذه هي نقطة الاستمداد. والمعرفة الإلهية نفسها هي نقطة استناد للإنسان أمام تقلبات الحياة ودواماتها أمام تزاحم المصائب والنكبات وتواليها عليه؛ إذ الإنسان إن لم يعتقد بالخالق الحكيم الذي كل أمره نظام وحكمة، وأسند الأمور والحوادث إلى المصادفات العمياء، وركن إلى ما يملكه من قوة لا تقاوم شيئاً من المصائب، فإنه سينهار حتماً من فزعه وخوفه من هول ما يحيط به من بلايا، وسيشعر بحالات أليمة تذكره بعذاب جهنم، وهذا ما لا يتفق وكمال روح الإنسان المكرم؛ إذ يستلزم سقوطه إلى هاوية الذل والمهانة، مما ينافي النظام المتقن القائم في الكون كله، فالخالق الكريم ينشر نور معرفته، ويبثها في وجدان الإنسان من هاتين النافذتين نقطة الاستمداد ونقطة الاستناد فمهما أطبق العقل، ومهما أغمض عينه.. فعيون الوجدان مفتحة دائماً. فائدة: إذا تعطل الوجدان فقد تعطلت الآلة التي نرى بها الخالق سبحانه وتعالى فهو يصفهم بأنهم “لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون”. رابط المقال على الفيس بوك