على مدى التاريخ القديم والمعاصر جرب اليمنيون تجارب الدويلات الصغيرة والكبيرة على حد سواء ثم عاشوا فترات التشطير التي كانت وبالاً على اليمنيين إلى أن انتقلوا إلى تجربة الوحدة الإندماجية مطلع تسعينيات القرن المنصرم التي ما لبث أن تصدع بنيانها مع حرب صيف 1994م. تلك هي حقائق التاريخ.. وهاهم اليمنيون اليوم يعيشون سجالاً يسترجعون فيه تجارب الماضي في سياقاته التشطيرية والوحدوية بحثاً عن مخرج يقود بعضاً منهم إلى التفكير في العودة إلى التشطير، بينما يستبد بالبعض الآخر الإبقاء على نظام دولة الوحدة بالشكل القائم عليه حالياً.. ولعل أكثر ما يخشاه المرء من استمرار وتشعب هذه السجالات أن تقود إلى متاهات الاحتراب الأهلي. وفي إطار هذا السياق، ثمة من يطرح طريقاً ثالثة للخروج من تداعيات هذه الأزمة بالحديث عن تجريب نظام الدولة اللامركزية والقائمة على تعدد الأقاليم، باعتبارها الأنموذج الذي لم يتم اختباره أو تجريبه من قبل والذي يمكن أن يؤدي إلى بروز معالجات موضوعية لكافة الاختلالات الهيكلية والبنيوية في مؤسسات المجتمع اليمني. إن مبعث التعاطف مع خيار الطريق الثالث إنما يرجع في الأساس إلى اضمحلال فكرة التمسك بدولة الوحدة القائمة بشكلها الراهن، كما أن التمسك بخيار هذا الطريق يعود أيضاً إلى الكلفة الباهظة لتغليب منطق العودة إلى نظام التشطير والذي لا يمكن أن يكون – بأي حال من الأحوال-عامل استقرار على مستوى الداخل، فضلاً عن أن مترتبات قيم النظام التشطيري سيعود بالضرر على الآمن الإقليمي والدولي بالنظر إلى الموقع الجيو – ستراتيجي الذي يتمتع به اليمن. لذلك ، فإن حاجة النخب، سواءً داخل مؤتمر الحوار أو خارجه التوقف ملياً أمام هذه الخيارات والبحث عن البدائل الممكنة التي تساعد اليمنيين على عدم إعادة إنتاج تجارب الماضي المرير، سواءً في الإبقاء على نظام الوحدة الإندماجية أو الهرولة نحو خيار التشطير.. وذلك بالبحث عن طريق ثالث يقود إلى صياغة عقد اجتماعي جديد يصون استقرار الداخل بترسيخ قيم العدل والحرية والمساواة وسيادة النظام والقانون وبما يساهم على قيام اليمن الجديد القادر على أن يكون رقماً مؤثراً في معادلة المنطقة والإقليم. إن الطريق الثالث ليس بمعزل عن الأفكار المطروحة أمام المتحاورين، فقط ينبغي للمشاركين في الحوار الوطني إخلاص النوايا بالتوافق على صيغه تنقذ اليمن من خطورة الحسابات المغلوطة التي ستقودنا جميعاً إلى الإنهيار الكبير لا سمح الله.. فهل من متعظ؟! رابط المقال على الفيس بوك