بعد غدٍ الأربعاء الموافق 18سبتمبر2013م هو اليوم الأخير من الفترة المحددة لمؤتمر الحوار الوطني التي تم الاتفاق عليها بين مختلف القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني الممثلة فيه، وكان يفترض حسب جدول أعمال المؤتمر أن يتم الإعلان في هذا اليوم عما توصل إليه المتحاورون من مخرجات للحوار التي ستكون على شكل قرارات وتوصيات ملزمة للجميع بغض النظر عن طبيعتها طالما وقد حظيت بموافقة الأغلبية؛ كان هذا هو الاعتقاد السائد لدى المواطنين الذين ينتظرون بفارغ الصبر أن تزف إليهم البشرى ممثلة فيما سيتخذه المؤتمر من قرارات مهمة ستشكل بلا شك ثورة تصحيحية كبرى من شأنها أن تعالج كل الاختلالات التي شهدتها الدولة والحكومة خلال العقود الماضية منذ قيام ثورة سبتمبر وأكتوبر وحتى الآن. لكن مع الأسف الشديد فإن فترة الحوار الوطني الطويلة قد شهدت خلال فعالياتها المتعددة والمتنوعة اختلافات ومماحكات ومزايدات وانسحابات ألقت بظلالها على مسارات الحوار الوطني وشوّشت على أهدافه، وجعلت اليمنيين يستعيدون ذكريات تلك المؤتمرات السابقة التي كانت تعقد في الماضي بهدف تحقيق السلام في اليمن وصولاً إلى حلول جذرية لكل المشكلات مثل مؤتمرات خمر وعمران وحرض واكويت في السودان ولقاءات الطائف في السعودية والقاهرة وبيروت وما انبثق عنها من لجان بهدف متابعة وتنفيذ قراراتها؛ ولكنها لم تكن أحسن حالاً من تلك القرارات التي كان يتخذها الحكام العرب وسط حماس شديد أثناء انعقاد مؤتمراتهم العربية وما أكثرها وكانت تنتهي بمجرد مغادرة آخر زعيم عربي عاصمة الدولة المضيفة ويتم نسيانها إلى الأبد..!!. وحتى لا يفهم البعض أننا لم نستوعب المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية عند المقارنة بين مؤتمر الحوار الوطني الذي نحن في صدده وتلك المؤتمرات واللقاءات التي سبق ذكرها آنفاً لابد أن نشير إلى ان ما جرى في المراحل السابقة كان منحصراً بين النخبة القبلية التي يطلق عليها «أهل الحل والعقد» أما مؤتمر الحوار الوطني فهو يختلف عنها من حيث مكوّناته التمثيلية لشرائح المجتمع اليمني ومنظماته المدنية، ناهيك عن العامل الإقليمي والدولي الراعي للتسوية السياسية في اليمن؛ وان كان له مخاوفه ولكنها تختلف عن المخاوف التي أدّت إلى مفاسد العقود الماضية والتي انتقلت بنا من عهد حكم بيت حميد الدين والاستعمار البريطاني إلى جمهورية القبيلة التي كانت ومازالت أكثر مقاومة لوجود الدولة المدنية، ومع كل ذلك فنحن لم نفقد الأمل بعد في مخرجات نتائج الحوار الوطني وفي إمكانية تطبيقها على الواقع رغم الدخان الكثيف الذي يحجب عنا رؤية حقيقة ما يجري لتبديد بعض من هذه الحالة الضبابية الغامضة. لقد كنا نتمنّى ومازلنا أن يطمئنا المتحاورون والقائمون على مؤتمر الحوار والراعون له على الأقل لوضع أبناء الشعب اليمني أمام الصورة الحقيقية لما يدور ولما توصلوا إليه؛ ولكن المؤتمر يشارف على الانتهاء ونحن مازلنا في المنطقة الرمادية، وهنا يطرح السؤال نفسه: هل صحيح كما يشاع أن أجندة مخرجات مؤتمر الحوار جاهزة..؟!. أما إذا كان الأمر غير ذلك فكيف نفسر حالة الغموض التي تكتنف مسارات الحوار لتزداد غموضا كلما قارب على الانتهاء، وهل ما حدث من خلاف واختلاف وانسحابات بهدف تضييع الوقت قد يؤدّي في النهاية إلى فرض التمديد ليس لمؤتمر الحوار الوطني فحسب وإنما للفترة الانتقالية؛ وهو ما يعني أننا ذاهبون في مسار آخر غير ذلك المسار الذي رسمته ثورة الشباب للتغيير نحو الأفضل واتفق الجميع على صياغة أهداف محددة وضعت لها خارطة طريق لتنفيذها من خلال الإدراك الواعي لواقع اليمن وتخطياً للظروف الصعبة التي تعيشها بسبب السعي وراء الكثرة في العديد من التشكيلات القيادية التي كان يتم اختيارها على أساس المجاملات الشخصية والولاء؛ وذلك وفقاًَ لما يعتقدون أن مثل هذا الاختيار يحفظ التوازن ويمنع التنازع ولم يعملوا بمعيار الكفاءة وتغليب الحكمة والنظرة السياسية المتوازنة التي من شأنها ان تخدم المصلحة الوطنية العلياء للبلد. ونتيجة لذلك أصبح من الصعب علينا تغيير مجرى الأحداث الخطيرة التي لاتزال تهدّد وحدتنا الوطنية بل تكاد تعيدنا إلى المربع الأول مالم نصل إلى توافق وتقديم التنازلات من مختلف الأطراف والابتعاد عن التمسك بالآراء المتصلبة والمواقف الرافضة لكل ما يُطرح من حلول ومعالجات لقضايانا التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم بسبب سوء إدارتنا لأمورنا واعتمادنا على ما يأتي به الخارج من فرض حلول علينا بالقوة قد تكون ضد رغبتنا وكأننا لا نملك من أمرنا شيئاً وإن كانت الآمال كبيرة في أن يتغلب اليمنيون ولو في الوقت الضائع بحكمتهم على كل المعوقات، مستفيدين من دروس وعبر مرّوا بها في الماضي بحيث يجعلوا ختام مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته مسكاً يفوح بأريجه وشذاه في عموم الساحة الوطنية. alsharifa68@yahoo رابط المقال على الفيس بوك