الأسبوع الماضي، احتفل عبدالملك الحوثي وأنصاره، بيوم الغدير أو الولاية، في مهرجانات صاخبة استعرضت القوة، وطغت عليها أصوات الألعاب والأعيرة النارية- وتجاوزت سقف الاحتفال بالذكرى إلى المجاهرة بادعاء الحق الإلهي في الحكم؛ في تناقض صارخ مع أبسط إدعاءاتهم «المدنية» . الاحتفال بالذكرى، يندرج في إطار حرية التعبير، وهو حق يجب أن يحترم، مهما تباينت وجهات النظر حوله، ولا ينبغي أن يخضع للفتوى أو الحظر السياسي، وكما تدان أي اعتداءات أو تخويف بحق المشاركين فيه، تدان الممارسات الشبيهة من قبلهم إذا تعدت حريات الآخرين أو هددت أمنهم، في هذه المناسبة أو غيرها. وأن تتحول الذكرى تجييشاً لمشاعر الأنصار والأشياع وتكريساً لثقافة بدائية متخلفة بأحقية الحكم لفئة من الناس دون غيرهم تبعاً لنسبهم، فذلك انقلاب صريح على أبسط قيم الدولة الحديثة والديمقراطية والحقوق السياسية والمدنية والمواطنة المتساوية. تلك القيم التي تضج الرموز المدنية للجماعة، وحتى المسلحة منها، بالحديث عنها، ويكثرون العويل واتهام الأطراف الأخرى بسرقة الثورة وخيانة أهدافها و«المحاصصة وتقاسم المناصب»، ويبيتون النية على احتكار حق الحكم باعتبارهم أهله، وهو خاصتهم الموصى به من السماء. يستحضرون ذكرى للاحتفال «افتراضاً»، ليتضح أنها توظف المناسبة لتمجد «سيد» الدولة المدنية، وتسعى لتكريس مفهوم حقه -أو من ينوبه- في الولاية، أكثر من صاحب الذكرى إياه. يستحضرونها؛ ليس لذاتها غالباً، بقدر ما هي محاولة لعكسها على الواقع، وحصر أهلية الحكم في شخص أو أسرة أو رموز جماعة، تشارك في مؤتمر الحوار للتوافق على أسس الديمقراطية والدولة المدنية وشكل الدولة ونظام الحكم والنظام الانتخابي وتنادي بالمواطنة المتساوية.. يا للمفارقة!! استحضر هنا، تفنيداً رصيناً ومتزناً عن المناسبة، تحدث به ل «الجمهورية» العام الماضي؛ وزير التجارة والصناعة الأسبق الدكتور يحيى المتوكل، إذ أشار إلى أن «مثل هذه المناسبة فرصة للتأكيد على الإخاء لا للتفريق، (..) وهنا، ومن باب الرأي ومسايرة التطور الذي نعيشه، أتطلع أن تأخذ هذه الاحتفالية شكلاً مختلفاً بعيداً عن استخدام الأسلحة النارية واستعراض القوة ولتقتصر على التذكير بسيرة هذا الإمام العلم ومناقبه الجمة والدعوة للاقتداء به، خاصة ونحن نعيش في زمن ارتفعت فيه درجة الاحتقان، فضلاً عن أولوية الدعوة الصادقة للإخاء والكلمة الطيبة». المتوكل استغرب العودة للحديث عن البطنين في القرن الخامس عشر الهجري، «وفي عالم تجاوز أفكار وأنظمة تلك المرحلة وظروفها وانتقل إلى ما يلبي ويتوافق مع تنظيم حياة ونماء البشر في هذا العصر (..) لا أعتقد أننا بحاجة إلى الخوض في هذا الموضوع بعد هذه القرون العديدة والتغيرات الجوهرية التي تؤكد ما أقره الإسلام ابتداءً وانتهاءً بأننا جميعاً إخوة متساوون لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، وليحكمنا من هو أكفأنا وأتقانا ففي ذلك فلاح الأمة». مثل هذا الحديث العقلاني المتزن يثير حفيظة عبدالملك الحوثي وبعض أتباعه، ويصمون آذانهم عن سماعه، ويرونه انتقاصاً لمؤهلهم العقيم في الحكم، معززين بوفرة أسلحة متكدسة وحشود هتافين، غدوا يرون فيها مصدر قوة كافية للمجاهرة بهذا الأمر والوصول إليه. كان الغرور سمة النظام السابق أيام حربه مع جماعة الحوثي، فكان أهم عوامل فشله في استئصالهم وهم الفئة القليلة المستضعفة فقيرة السلاح والعتاد.. واليوم لم يعد لدى الرجل المؤمن ما يخشى معه كتم أفكاره ومنهجه السياسي، وعاجلاً جدا وصل القائد الميداني للجماعة المدافعة عن النفس وعتاولة رجاله للمرحلة التي وصل إليها الرئيس السابق، مع البلاد -ومن معهم- بعد أكثر من ربع قرن من حكمه، حين بات يرى تراكم سني عمره وكبار رموز أسرته ومحسوبيه في الحكم ، مؤهلاً كافياً لهم لاستئثار وراثته إلى ما شاء الله.. كذلك انتشى الجماعة بسلطة الأمر الواقع في صعدة، وما يظنونه نجاحاً حققوه في تسيير أمورها كصورة مصغرة لحكم مستقبلي يبشرون به، كانت القاعدة فعلت ما يوازيه وربما أفضل أشهر سيطرتها وحكمها محافظة أبين ومناطق في محافظات أخرى مجاورة لها، لكن حكم الميليشيات مصيره إلى زوال، إذ لن يكون يوماً بديلاً عن الدولة مهما كانت مساوئها. استأسد المظلومون، لحظة قوة متراكمة، على فريسة ضعيفة، يظنون أنها باتت على وشك الوقوع بين مخالبهم وأنيابهم، دونما إدراك أنهم؛ وفي أحسن الأحوال، لن يكونوا سوى ضحية أخرى، لكن هذه المرة لأنفسهم، وغرورهم، إذ دشنوا مرحلة مراهقة سياسية خطرة على مجتمع هم مكون بارز فيه، بعد أن بدؤوا يفكون عرى قضيتهم وعدالتها، مكتفين بمؤهل العرق ومهارات الادعاء واستعراض القوة والمغامرات والصراخ. رابط المقال على الفيس بوك