الحتمية التاريخية تدخل في باب التقاطع بين الصدفة والضرورة، وهذه مقولة فلسفية بقدر ما هي تاريخية وبيولوجية، وستجد أبعاد هذه الحقيقة عند داروين وماركس، وحتى بعض المتصوّفة مما لا نستطيع مناقشته في هذه العجالة. الصدفة البوعزيزة التونسية يا صديقي حملت في طياتها كامل الضرورات والمقدّمات التي أفضت إلى الوضع العربي الراهن، وهي بهذا المعنى بمثابة عجلة دارت ولن تعود إلى الوراء، والدرب قد يكون سالكاً جداً، وقد يكون ملغوماً بالحجارة والأخاديد، لكن العربة لابد أن تصل. الربيع العربي يسير الآن بقوة دفعه الخاص، ولقد بدأ ليتواصل ويصل إلى أهدافه المُسيَّجة بإرادة الجماهير وقضيتها العادلة. قبل حين تحدّث علماء التاريخ عن ما يسمّى «دهاء التاريخ» وهذه المقولة أشبه ما تكون بالحقائق الموضوعية الناجمة عن تقاطع الظاهر المرئي بالغائب غير المرئي، ومثالها الكلاسيكي ذلك السائر في دربه نحو هدف محدّد، وفي الطريق شجرة باسقة، وحال مروره تحتها تسقط تفاحة على رأسه..!. هذا السقوط الذي يبدو محض صدفة؛ محكوم بقانون الجاذبية، أي قانون الضرورة، فكل شيء يسير ضمن الضرورة أو الجبر، يقول الشنقيطي الرائع «المرابط ولد متّالي»: المرء في الظاهر ذو اختيار والجبرُ باطناً عليه جاري وكان من عجائب الجبار أن يُجبر العبد بالاختيار ومن هنا نستطيع إدراك تراتبية السقوط الحُر لأنظمة الاستبداد في العالم العربي، فالجبر ليس حالة فردية، بل ناموس كوني يطال المجتمعات البشرية، وما سيأتي في هذا الباب سيكون أكثر جلاء ووضوحاً، فلننتظر يا صديقي. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك