وقصارى القول، فإن وحدة الدولة الجنوبية مع سلطة صنعاء العسقبلية الشمولية قد اشتعلت على صفحات الصحف والمجلات الصادرة في عدن، واحتد الصراع السياسي بين الأطراف المعنية، فبينما بيّنت “الوثيقة التحليلية والنقدية” المقرّة في الكونغرس 1987م الطريق الذي ينبغي للحزب الاشتراكي سلوكه لتحقيق “الوحدة” وهو قولها في الفصل الخامس تحت عنوان «نضال الحزب الاشتراكي اليمني من أجل الوحدة اليمنية وبناء اليمن الديمقراطي الموحد»: “إن من الضروري سد الثغرات التي تضعف الكيان الوطني والسيادة الوطني لشعبنا على التطوّر المستقل المنسجم، والعمل على تعميق وتقوية الأسس والمقوّمات المادية والاقتصادية لوحدة الكادحين والشعب والوطن، والقضاء على التجزئة الاقتصادية والاجتماعية في كل من شطري البلاد، وتحقيق الانفكاك من علاقات التبعية للامبريالية وللسوق الرأسمالية العالمية، وتعزيز الاستقلال الاقتصادي والسير في اتجاه التكامل الاقتصادي بين الشطرين بآفاق تحرُّرية وطنية توحيدية” وكان الصراع السياسي يسير في اتجاه معاكس، حيث احتدمت المناقشات خارج سياق المحاذير والتردّدات التي وردت في الوثيقة، محدثة انقسامات مهمة في أوساط الكتاب والأدباء “الشريحة المثقفة المعبّرة عن استقلالها في اتحاد الأدباء والكتّاب وفي الكتابات السياسية بالصحف والمجلات الصادرة في عدن” وتكثف التعبير عن هذه الانقسامات في: التيار الأول والأساسي الذي كان يقف متردّداً ووجلاً ورافضاً للوتيرة التي كانت تسير فيها المفاوضات بين ممثلي سلطة الدولة الجنوبية، وهي في نفس الوقت تمثّل قيادة الحزب الاشتراكي اليمني، بل رافضاً لصيغة الوحدة جملة وتفصيلاً، ووقفت كثير من الحوافز والإغراءات وراء هذا التيار وبين ممثلي سلطة صنعاء والتي ابتدأت عقب حرب 1972م واستمرت بوتيرة ساخنة بعد أحداث 13 يناير 1986م، ومدّ هذا التيار يده نحو الأجهزة السعودية التي وصلت ذروتها في زيارة وزيري المالية والخارجية السعوديين، حيث عرضا موازنة ضخمة وعلى شيك مفتوح مقابل إسقاط كلمة الاشتراكية من المتن وعدم الذهاب إلى صحن الوحدة، وفي اللقاءات عالية المستوى والسرية مع جماعات سياسية جنوبية تصب أهدافها مع أهداف الدولة المجاورة الكبيرة. وحصد هذا التيار في آخر المطاف “تقاسم” وظائف السلطات من الأدنى إلى الأعلى والعكس، بل غالى بعدئذ في العلاقات السياسية مع الطغمة العسقبلية وقاعدتها شيوخ الإقطاع التقليدي وشيوخ الإقطاع الديني، التيار الثاني الذي دفع بالإجراءات إلى أقصى حدودها السياسية الماضية نحو وحدة الدولة والسلطة، وكان هذا التيار مدفوعاً بالضغوط التي شكّلتها الأحداث الدامية وبدوام الاستبداد والقمع الذي استخدم في آخر مطاف الأحداث البطاقة الشخصية لتصفية الحسابات السياسية والشخصية، وتكثّفت استراتيجية هذا التيار ب : «1» القضاء على السلطتين في عدنوصنعاء، واستبدال تناقضاتهما وصراعاتهما وأزماتهما بتناقضات وصراعات وأزمات بخصائص جديدة. «2» أن السلطتين اللتين تتقاذفهما المحاور الإقليمية والدولية سوف يصلان إلى طريق مسدود كليهما لا يستطيع العودة إلى وضعه السابق بسهولة. «3» أن العدائيات والتراكمات لن تترك لهاتين السلطتين الفرصة للأخذ بما سوف يتفق عليه؛ ولذلك سوف يستخدمان كافة الحيل والوسائل لتوسيع الشقة فيما بينهما، حيث تصل الأمور إلى أزمة عميقة متلازمة مع الانفراج في الحريات وإعادة الفرز والاصطفاف السياسي والاجتماعي. «4» النتيجة الكبرى، هي أن أياً من السلطتين لا تستطيع إنتاج نظام الفرد الحاكم المطلق المستبد الفاسد، ونظام الحزب الحاكم الواحد، وقد حدث ذلك على أرض الواقع. رابط المقال على الفيس بوك