«29» وحققت المصفوفة الأمنية “الأمن العام، الأمن الاجتماعي، الأمن الغذائي، الأمن المائي والأمن البيئي والصحي” كامل وظائفها بجدية وصرامة مشكلة بذلك الأعمدة التي قامت عليها الدولة القانونية الرعوية. وطالما وفرت الدولة كل احتياجات مواطني الجمهورية مقابل أنشطتهم الاجتماعية ومجهوداتهم في المجال الصناعي والزراعي والإداري والعسكري والأمني فإنها استحقت أن تصنف في الأدب القانوني والسياسي بكونها دولة قانونية رعوية بامتياز. والسؤال هو: كيف ولماذا أو لمصلحة من تم التضحية بالدولة القانونية الرعوية، دولة قوى الحداثة في المنطقة؟؟ تركت التناقضات والخلافات التي قفزت إلى الواجهة الاجتماعية والسياسية وطريقة حلها المتسمة بالعنف تأثيرها على إضعاف الدولة الجنوبية سابقاً ابتداء من المؤتمر الرابع للجبهة القومية مروراً بحركة 22يونيو 1969م وانتهاء بكارثة 13يناير 1986م. إن اللجوء إلى العنف في حل الخلافات داخل قيادة الجبهة القومية ثم التنظيم السياسي الموحد، وبعدئذ الحزب الاشتراكي أضعف سلطات الدولة وفتح ثغرة للاختراقات الأمنية والعسكرية والسياسية، وفي نسيج المجتمعات التي لم تخلع داخلها النزعات الماضوية المتخلفة، غير أن كثافة الاضعاف تركزت في حجم وذروة المؤامرة التي قادتها تدرجاً عبر مراحل الأجهزة الاستخباراتية البريطانية بالتنسيق مع جهاز المخابرات السعودية، ونفذتها شبكات ال” MI6” المحلية والتي احتفظت بوجودها ونشاطها السريين في قيادة الحزب الحاكم، وداخل الأجهزة الأمنية والعسكرية!!؟ وتركت هذه المؤامرة العميقة والأحداث التي اشتركت فيها أجهزة المخابرات السورية، وأجهزة مخابرات صنعاء والمخابرات العراقية والأمريكية والفرنسية. بصماتها على المشهد السياسي الذي تلاها مباشرة وأدى إلى التضحية بالدولة الجنوبية لمصلحة الطغمة العسقبلية الحاكمة في صنعاء ولمصلحة المصالح الأمريكية والبريطانية. وتركت هذه المؤامرة وهذا الحدث أثرهما على القوى البشرية الفاعلة داخل المجتمع السياسي “مجتمع الدولة” إذ قتل العديد من الكوادر السياسية والمعرفية التي أعدت خلال سنوات طويلة لإدارة مؤسسات الدولة وخرج من الخدمة الفعلية عديد من الكوادر وتحولت إلى قوى عسكرية ومدنية معادية للدولة التي ساهمت في خلق أجهزتها وكانت ذروة دراما التدمير حينما اشتركوا في حرب صيف 1994م. وتضاعفت جراحات الدولة في المحافظات الجنوبية بعد ظهور تيار سياسي “وهابي” كان يطمع في الاستحواذ على إدارة الحزب والسلطة وإقصاء وتصفية أهم شريحة فاعلة رجحت كفة الانتصار، وقام هذا التيار بخلق بلبلة اجتماعية تمهيداً لتنفيذ انقلاب عسكري سريع بالتنسيق المباشر مع قيادة المخابرات الأجنبية وبالتالي عقد صفقة سياسية رخيصة لبيع أهم المواقع الاستراتيجية والمنافذ البحرية وأدى هذا الضغط السياسي الداخلي إضافة إلى مؤشرات انهيار الاتحاد السوفيتي وتداعياته المالية على الخزانة العامة إلى التحرك الدائري على مركز القرار، علي سالم البيض وحلفائه في المكتب السياسي والاندفاع نحو وحدة بين دولة وسلطة. وحدة دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مع سلطة صنعاء المحكومة بتحالف عصابة عسقبلية ماكرة أدت إلى حدوث كارثة الإلغاء القانوني للدولة والهوية، أي إن المعادلة كانت غير متوازنة بين تراث سياسي وإداري وقانوني لدولة تمثل مصالح قوى الحداثة وترعى السكان تحت مظلة العدالة الاجتماعية مقابل التضحية بالحرية الحزبية والسياسية وتراث سلطة عصابة هيمنت على الشمال منذ 4 قرون ونيف. ر ابط المقال على الفيس بوك