في إشارات سابقة كثيرة تحدثنا عن التنمية المحلية في اليمن، والتي ازدهرت تقريباً في ظل هيئات التعاون الأهلي للتطوير، وتراجعت أو انتهت بالكامل مع انتهاء هذه الأداة الشعبية الناجحة، وفي هذه المرحلة تحديداً شهدت اليمن ازدهاراً واسعاً كان المجتمع بكل فئاته شريكاً فاعلاً في صناعة هذا الواقع الذي أخرج البلد من عزلته الطويلة، وربط البلد بمدنها وقراها في شبكة طرقات ترابية مترابطة ببعضها البعض، وذلك بدعم من مؤسسة الدولة، حيث عرفت بعض المناطق ولأول مرة العديد من مشاريع البنى التحتية، وعلى وجه الخصوص المدارس والمستوصفات، وتوسعت خدمات الإنارة في مشروعات أهلية متنوعة، وانتهت التعاونيات في مؤامرة نفذها النظام الذي قاد البلد من فشل إلى فشل أكبر، وهذا معروف وليس جديداً في بلد اغتصبه المصالح الضيقة ممن نصبوا أنفسهم سلاطين على هذا الشعب المسالم، فالشعب محروم من أبسط متطلبات الحياة رغم أنه يدفع الضرائب وبكلفة عالية للحصول على ذلك، الأمر الذي أفقده زهوه وحيويته وجاهزيته، ذهبت أراضيه التي أكلتها الطرقات أو السيول المنحدرة منها جرفتها، وبالتالي شردته في هجرة اضطرارية، وبالتالي فقد الناس حماسهم، ووعيهم بأهمية المبادرات الذاتية في كسر عوامل العزلة الاجتماعية والجغرافية المخيفة، وأزالت الفوارق بين المدينة والريف، وأوجدت فرصاً للعمل، وخسرت المجتمعات المحلية مليارات كثيرة كان يمكن أن تغير الواقع وتحسن مخرجاته.. هناك مليارات دفعها الشعب كمساهمة منه لتغيير واقعه، وتحسين مستوى الخدمات فيها، في مجال شق الطرقات، وتشييد العديد من المنشآت الخدمية.. كل هذا انتهى بإزالة هذا النشاط الحيوي، وانعدام الصيانة، والتخطيط العلمي لها، والاعتماد على العشوائية والمزاجية في إنشائها إلى جانب هذا لعب الفساد السياسي دوراً واسعاً في افساد الحياة العامة وتحويل المكتسبات التعاونية إلى وبال على المجتمع.. كمبرر لإقناع الناس، بالانتفاض على التعاونيات ومكتسباتها الوطنية، والتحول نحو المجالس المحلية التي فقدت جاهزيتها من اللحظات الأولى مما سهل انقيادها وإفراغها من مضمونها، وحيويتها، وأصبحت بموجب ذلك المجالس المحلية جزءاً من فساد الدولة، وإلا حافظت على ممتلكات الناس ومنجزاتهم التاريخية، وحولت المجالس المحلية إلى مؤسسات للتنمية والتطوير. فهناك آلاف من قطع ووحدات الشق التي غيرت الواقع المحلي، وأصبحت بالتأكيد رأسمال المجتمعات المحلية، أصبحت ذكرى من الماضي.. فأصبحت كل وحدة إدارية تملك العديد من القطع اليابانية الممتازة “كوماتسو” التي مكنت هذه المجتمعات من تحقيق حلمها في إيجاد ازدهار هو الأهم في تاريخ اليمن قديمه وحديثه.. وبهذه النهاية المأساوية خسر الناس حماسهم وزهوهم، وقتل لديهم الروح التعاونية.. ولكي نؤكد صحة هذه العملية سنأخذ مثالاً على سبيل التدليل لا الحصر، من مديرية القبيطة سابقاً، والتي تم تفتيتها إلى مديريتين مديرية حيفان، ومديرية القبيطة، وأصبحت الأولى ضمن محافظة تعز والثانية ضمن محافظة لجح ضمن سياسة “فرق تسد” التي اتبعها النظام السابق الذي دأب على خلق المعوقات والتشوهات الإدارية، وبصورة دائمة ومتواصلة، كانت تمتلك هذه المديرية وحدتي شق متكاملتين من ستة وعشرين قطعة ما بين حراثات، وكمبريشنات، وسيارات نقل المياه للسكان وغيرها. وهي التي قهرت الطبيعة القاسية وأحدثت تحولاً إنمائياً رائعاً لامس مختلف الأنشطة الاجتماعية والخدمية، فقد كانت مرحلة المجالس المحلية للتطوير التعاوني التي أعقبت هيئات التعاون الأهلي للتطوير مرحلة التدمير الممنهج للتنمية المحلية، فقد تحولت المجالس المحلية، إلى قاعدة العمل السياسي للمؤتمر الشعبي العام.. فقد أصبحت الجمعيات العمومية، والهيئات الإدارية قواعد للمؤتمر الشعبي في عموم الجمهورية وأصبحت وحدات الشق التي حصل عليها المجتمع دعماً من الرئيس الحمدي.. في خبر “كان” فلم تعد هذه المعدات موجودة، ولم يعد المجتمع المحلي يتذكرها، وجيل ما بعد تلك المرحلة لا يعي حقيقة ما تم إنجازه وقتها، وكيف تم ذلك، وما هي القدرات المادية للتعاونيات التي خلقت ذلك الوضع الاستثنائي، وبالمثل تكاد أجهزة السلطة المحلية الحديثة لا تعي هذا الدور. ولا تهتم بما كان سكان الوحدات الإدارية ممتلكة، لأن مهمتها لم تعد كما كانت تنموية، وإنما أصبحت رقابية وإشرافية هدفها كيف تجير أصوات الناخبين لصالح حزبها الحاكم ولهذا أخفقت في صنع المزيد من التحولات.. وفقدت المجالس المحلية شعبيتها بل أصبحت بحسب القانون جزءاً من “سلطة الدولة”.. وليس لها علاقة بما كان ملكاً للشعب، وحقاً لها، وحصلت الأعبوس أيضاً من الرئيس الحمدي على كومبريشن، وعربية كبيرة لتوفير مياه الشرب للسكان، وكان الكومبريشن بمعية الشيخ علي عبدالجليل طيب الله ثراه يستخدمه السكان في تشييد مشاريعهم العامة أو الخاصة، وجميع هذه المعدات لم تعد موجودة، ولم تدخل ضمن اهتمامات السلطة المحلية، لأنها جزء من السلطة ومن النظام السابق، وتقدر تكلفة هذه القطاع، وقيمة المشاريع التعاونية التي انتهت بمليارات الريالات.. فكل ما تبقى في مديرية حيفان حراثتان أو ثلاث، قد شلحت إلى قطع مختلفة، ودفنت بعضها على قوارع الطريق، ولم يستفد المجلس من قطع الغيار التي تحصل عليها الدولة باستمرار دعماً من الحكومة اليابانية، منذ ما يقرب من خمس أو ست سنوات زار فريق من مهندسي وزارة الإدارة المحلية حيفان وقاموا بعملية بحث عن تلك المعدات فحصل على ما تبقى في الوضعية التي ذكرتها، لثلاث قطع فقط، وعلى الرغم من وضعها السيىء إلا أنها تنتمي إلى جيل ممتاز وحديث. من أجيال كوماتسو اليابانية، وأوصوا بأهمية إصلاحها وبصورة سريعة جداً، بتكلفة تقديرية تصل إلى أربعة وعشرين مليون ريال، وأبدوا استعدادهم بصرف ما يعادل “14” مليوناً دعماً من مخازن الوزارة، على أن يقوم المجلس المحلي بتوفير بقية المبلغ بالتعاون مع البيوتات التجارية إلا أن المعنيين بالأمر تعاملوا مع حماس الوزارة بنوع من اللامبالاة والاستهتار رغم الوضع السيىء جداً للمنشآت التعاونية وفي مقدمتها الطرقات التي خففت كثيراً من معانات الناس في المديرية، ووجد وعي اجتماعي زائف يقدم على أنه لا علاقة لنا مع ما كان قائماً في الماضي. وكل ما هو موجود من مسئولية الدولة.. ولكني على العكس من ذلك فالمسئولية مشتركة ويضطلع بها المواطنون أنفسهم أصحاب المصلحة الحقيقية في كل ذلك، وهي تحققت بجهودهم وعرقهم وعلى حساب قوت أطفالهم، وعليهم جميعاً معرفة مصير تلك المعدات لإعادة تأهيل ما يمكن تأهيله لصالح التنمية المحلية، بالاستعانة بالعناصر التعاونية التي تحملت مسئولية تلك التغييرات والمنجزات الرائدة، واستعادت ذلك الدور الرائد والحيوي وفي مقدمتهم الشيخ القدير عبدالوهاب محمد عبدالمؤمن رئيس المجلس المحلي السابق والشيخ عبدالملك ياسين الأمين العام، والمهندس القدير سليمان عبدالله المسئول المالي، والمهندس الرائع، ودينمو تلك المرحلة الأستاذ جابر عبده فارع عضو الهيئة الإدارية، ورئيس اللجنة التعاونية في الأعبوس، والتي ربطت الأعبوس ببعضها بشبكة من الطرقات والمشاريع الإنمائية الرائدة. بالاستعانة بهؤلاء الرواد، وبالتعاون مع جميع الأهالي، وأصحاب الخير نستطيع أن نصل إلى كل ممتلكات التعاونيات، وإعادة تأهيلها، ومحاسبة الفاسدين، والذين استفادوا مما آلت إليه الأوضاع التنموية، وبالتالي إحداث نهضة جديدة في الواقع بالاستفادة من شراكة المجتمع المحلي في تحقيق ذلك، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي نريد.