تمثّل الديمقراطية بتجلياتها المعاصرة نتاجاً لتجربة مريرة وطويلة من المعاناة والصراع الإنساني ضد قوى العنف والتخلف ولذلك تقوم الديمقراطية على منظومة قيم متحدة تجعل منها إرثاً إنسانياً مشتركاً قابلاً للتطوير ولا تتعارض زماناً ومكاناً بأي حال مع أية خصوصيات ثقافية أو تاريخية أو اجتماعية لأي مجتمع والمشكلة تحدث عندما يتم تشويه هذه المثل الإنسانية لدوافع سياسية آنية وفردانية مضادة كالقول السائد لدى فقهاء ومجتهدي الأنظمة المستبدة إن الديمقراطية خروج عن الدين وتمزيق لوحدة وكيان الأمة ومصدر للصراع حتى قبل أن تجرب وهذا يمثّل شرعنة للاستبداد باسم الدين وحرماناً للمجتمع من طاقاته الإبداعية ويعد الحوار من أهم قيم الديمقراطية على الإطلاق لأنه يقوم على أساس إتاحة الفرصة للعقل البشري لكي يبدع في كافة مناحي الحياة وبالتالي فإن التأكيد على أهمية الحوار هو تأكيد على أهمية قيم ومثل إنسانية عليا بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع دعاتها والحوار هو الذي يجعل الديمقراطية البديل الأكمل للعنف السياسي المولّد للعنف المجتمعي وما ينتج عنه من تخلف مجتمعي شامل يصيب الحياة بالشلل التام ونعتقد أن المجتمعات المتقدمة لم تصل إلى ما وصلت إليه من حضارة إنسانية إلا بعد أن وضعت حداً للعنف بكل صوره وربما تكون الحرب العالمية الثانية هي النهاية الفعلية للصراع السياسي وسيادة لغة الحوار والتفاهم، لذلك ينظر المفكرون إلى الديمقراطية على أنها أهم الاكتشافات الإنسانية كونها أداة تحقيق الاستقرار السياسي والمجتمعي اللازم للتطور. وفي هذا السياق ونحن في رحاب مؤتمر الحوار الوطني الشامل علينا أن نتذكر جيداً وباستمرار جملة من الحقائق ومنها، إن الغاية الفعلية من انعقاد هذا المؤتمر بهذا الشمول في موضوعاته والتكافؤ في التمثيل لمكوناته هي التأسيس للديمقراطية وإذا تمكنا من ذلك نكون قد وضعنا أنفسنا في الطريق الصحيح للتطور هذا أولا،ً وثانياً، إن الحوار بدأ ويجب ألا ينتهي بانتهاء مؤتمر الحوار بل يجب أن يستمر ويترسخ في الواقع السياسي والاجتماعي ثقافة وممارسة عبر مختلف الوسائط والوسائل السياسية والإعلامية والثقافية والاجتماعية بما يؤدي إلى تجنب تكرار دورات العنف والعنف المضاد.