مشكلة اليمنيين أنهم لا يجيدون السياسة بالقدر الذي يجيدون فيه الضجيج, ولا يجيدون ترتيب أولوياتهم وأوراقهم بالقدر الذي يجيدون فيه خلطها وإحراقها, وخلال مرحلة ما يقارب العام – مرحلة الحوار الوطني – تبين لي أننا كيمنيين لدينا قدرة فائقة على صناعة الأزمات واختلاق المشاكل - ثم ننتظر الخارج ليقدم لنا الحلول والمعالجات المناسبة لكل تلك الأزمات والمشاكل والتي سرعان ما تتحول إلى وباء يحاصرنا من كل الجهات, ويحصد أرواحنا - كما أننا نتقن فن الاختلاف وتضخيمه وتحويله إلى صراع مسلح يعيدنا إلى الوراء عشرات السنين - فيما نقف عاجزين عن إيجاد سبل لاحتواء ذلك الخلاف وإنهاء ذلك الصراع والاقتتال الذي نسعى إليه بأيدينا وأرجلنا ثم نعود لنشكو منه. كل المؤشرات وجميع الأحداث التي تدور على ارض الواقع تقول أن الغالبية العظمى من اليمنيين يمتلكون من المبررات الكثير - ليختلفوا ويتصارعوا فيما بينهم , ولكنهم يخفقون اذا ما طلب منهم إيجاد مبررات للوفاق والتعايش والاصطفاف كفريق واحد, وكأننا أعداء في هذا الوطن يحاول كل منا التخلص من الآخر أو مكلفون بحمل وحماية مشروع قابيل ابن آدم ليبقى هذا المشروع حاضراً في أذهان الأجيال كشاهد على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان في الحياة الدنيا. عدد الحروب التي تقاتل فيها اليمنيون اكثر بكثير من عدد المرافق الصحية المتخصصة في بلادنا, وعدد الأزمات والمشاكل التي تسببنا بها لبعضنا البعض تفوق بعشرات المرات عدد الخدمات الأساسية التي يحصل عليها المواطن منذ ستينيات القرن الماضي, وعدد الشهداء والقتلى في يمن الإيمان والحكمة يزيد بأضعاف مضاعفة عن عدد حملة الشهادات العليا, والمشكلة أننا نتقاتل حول قضايا ومعاني يفترض أنها من اكثر الأشياء التي تعزز وحدتنا وتنمي علاقاتنا ببعضنا البعض, غير أننا للأسف الشديد لم نحسن التعامل معها ولم نلتزم بأخلاقها وقيمها ومبادئها. فتارة نتقاتل باسم الله , وتارة باسم الوحدة وأخرى باسم الثورة وغير ذلك من المعارك والحروب التي تسببت في تمزيق النسيج الاجتماعي وتدمير علاقتنا ببعضنا وخلفت الكثير من الأحقاد والدمار والخراب والخسائر والأضرار, إضافة إلى أعمال الإرهاب والتخريب والإجرام التي هي أيضاً تحصد من أرواحنا وتدمر في وطننا ومؤسساتنا وثرواتنا ومصالحنا العامة. الخلاصة: نحن الآن أمام فرصة قد تكون الأخيرة بالنسبة لنا في هذا البلد - الذي سلبنا منه سعادته بسبب شقاوتنا وسوء أفعالنا, فأما أن نعمل جميعا على إنجاح الحوار وتهيئة المناخ المناسب لتنفيذ مخرجاته وتحويلها إلى واقع ملموس – من خلال الدخول في مرحلة جديدة ونظام سياسي جديد وعلاقة جديدة ترتكز على المحبة والتسامح والتعايش وترمم تصدعات الماضي وتخفف من جراحاته وآلامه, أو أن نواصل الطريق في الصراع والاقتتال وتدمير وطننا ومستقبلنا, وحينها لن نجد في هذا العالم من يهتم لأمرنا ولا لأمر أبنائنا وأجيالنا القادمة, وما يجري في الصومال وأفغانستان خير دليل على ذلك.