لا شيء يسير على طبيعته في هذا البلد فكل شيء خاضع للعبث والتشويه، الحياة الاقتصادية ليست ببعيدة عما يدور سياسياً إنها تبعاً لها وأهم مصلحة يتقاتل في سبيل التحكم بها والتسيد على مجمل تفاصيلها. في السياسة لا شيء واضح رغم العناوين البراقة والتطمينات والوعود الكثيرة، في الاقتصاد وإن كان الحديث عنه قليلاً إلا أنه ليس ببعيد عن التدليس والتوظيف السياسي لموضوعاته ظهوراً وغياباً، وليته ببعيد عن تلك الأيادي التي عبثت بالحياة السياسية بل أنها لم تكن لتتمكن من الانفراد بالسلطة إلا بالقوة التي حصلت عليها من التفرد بالثروة، لتصبح السلطة قوة للتحكم بزمام اقتصاد البلد وذلك عبر الانفراد بالمال العام تصريفاً للموارد واستلاماً للإيرادات. ربما التحدث عن الميزانية العامة ليس بالأمر الصعب والتحدث عن أوجه المشاريع والخدمات التي على تلك الميزانية أن تشملها ليس بالأمر المستحيل لكن هناك إنفاق آخر خارج عن دائرة الحديث والمراقبة ولا يتم الحديث عنه هو الإنفاق الحكومي الباذخ في نثريات وسفريات وحرس ومكافآت ....الخ ربما ليس علينا البحث في كل هذا لأننا وقتها سندخل في تفاصيل كثيرة لن تنتهي بالحديث عن سيارة المسئول ولا عن سفرياته الكثيرة، مازال التحكم بهذا الإنفاق غير ممكن مثله مثل القضاء على تلك المنظومة الفاسدة التي يتحدث عنها كل من يسعى للتغيير فكلها واحدة ولا يأتي هذا الإنفاق العبثي إلا شكلاً من أشكال ذاك الفساد. في الوقت الذي ترتفع فيه صور معاناة هذا الشعب وتسوء أوضاعه المعيشية وتردي أوضاعه الاقتصادية ترتفع دعوات برفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية دعوة يصدرها رجال الأعمال الذين لم يفكروا يوماً بالوفاء بذمتهم المالية وذلك عبر دفع الضرائب التي عليهم والتي كانت ستحد من وصول عجز الميزانية إلى هذا الحد، أصوات الداخل اتحدت مع أصوات المانحين ،جميعنا نعرف أن البنك الدولي وأي مانح خارجي آخر يفرض شروطه على تلك المنح وعلى قدر الاحتياج للدعم الخارجي يكون الارتهان لهم التي وبها لن تتحقق أي نهضة حقيقية في اقتصاد الدولة. هنا المواطن وحده من سيدفع فاتورة رفع الدعم عن المشتقات النفطية في حال تم ذلك لا أحد سواه سيتحمل تبعات رفع هذا الدعم وبكون رفع الدعم سيأتي على المشتقات هنا فإن ارتفاع الأسعار سيأتي على كل شيء بكون تلك المشتقات العصب المحرك للحياة الاقتصادية لأي بلد . لماذا لا يكون الاتجاه نحو خفض البذخ الحكومي أولى من رفع الدعم عن المشتقات النفطية ؟!ألسنا بحاجة إلى إعادة النظر في كل عقود وصفقات النفط والغاز أوليس القضاء على الفساد المستشري فيهما أولى من رفع الدعم للحد من الفساد المتحكم بأهم ثروات هذا البلد؟!ألم يكن إلغاء مصلحة شئون القبائل والتي تحمل الدولة حوالي ثلاثة مليار ريال سنوياً (حوالي 135 مليون دولار ) أولى من رفع الدعم للحد من الإنفاق الغير مشروع ولمنع الهدر في المال العام؟! ها نحن وضمن الدولة الموحدة البسيطة نلجأ لرفع الدعم عن المشتقات النفطية للحد من العجز ماذا سيكون الحال بعد الانتقال للشكل الفيدرالي والتوسع في الهيكل الحكومي والإنفاق العام ،كيف سيكون لنا الإيفاء بأعباء جميع تلك المراكز التي ستنتج عن الشكل الفيدرالي؟!