مشكلة كبرى أن ترى جماعة ما في نفسها أنها الجماعة المؤمنة الوحيدة وما غيرها «زنادقة» من هنا يتأسّس العنف والإرهاب باسم الدين للأسف. من حق أية جماعة أن تسعى إلى السلطة ولكن بالطرق غير الإجرامية، أي عن طريق التنافس الديمقراطي السّوي ووفقاً لرضا الناس عن وعيها وبرامجها وليس بالإجبار والإكراه. الحاصل هو أن جماعات الاستقواء بالسلاح يعمل على تنميتها أصحاب مصالح دنيوية حقيرة؛ فيجلبون الشر إلى المجتمع تحت قناع أنهم يريدون الخير له، والأنكى على النفس أن هذه الجماعات الموبوءة بالتخلُّف أسهمت بشكل رئيس في تشويه الإسلام وعلى نطاق عالمي واسع. يقول نصر حامد أبوزيد في كتابه المهم “التفكير في زمن التكفير”: «إن للأفكار تاريخاً، وحين يتم طمس هذا التاريخ تتحوّل تلك الأفكار إلى عقائد، فيدخل في مجال الدين ما ليس منه، ويصبح الاجتهاد البشري ذو الطابع الأيديولوجي نصوصاً مقدّسة». وبحسب أبوزيد أيضاً: «لدينا مشكلة هي أننا باستمرار خائفون على الإيمان، كأن ما لدينا هو إيمان معلول يحتاج إلى حماية، الإيمان لا يحتاج إلى حماية لأنه الاقتناع». من الواضح بالطبع أن أكثر ما تخشاه مثل هذه الجماعات هو التفكير؛ أتذكّر أحدهم مثلاً ونحن نتناقش كاد يتمنّى لو أن الإنسان خُلق بلا عقل كما بلا حق في الاختيار، أي ليكن مجرد مؤمن على طريقته التعصّبية الإرهابية فقط..!!. والثابت هو أن كل ما يخرج عن المسار الإنساني السليم لا يمتُّ إلى الله بصلة، الله ليس أداة لقتل النفس التي حرّم وترويع المجتمعات، كذلك أفهم وعيي بالله على أنه محبة وسلام وغايته من مسألة الحياة النضج الكامل بقيمة الإنسان وحريته، ثم إن الإرهابي كائن مشوّه من الداخل يتقنع بالدين، كائن مأزوم، كائن شمولي، كائن معطوب الإنسانية والعقل والضمير. وبالتأكيد إذا تصاعدت الإرادة الوطنية المتسقة تنويرياً وعسكرياً في الحرب على الإرهاب والسلاح المنفلت - بالضرورة - سنتأكد كل يوم أكثر أن تلك الجماعات مجرد كيانات إجرامية هشّة مرفوضة فطرياً، لكنها تضخّمت وجرى تسويقها كأنها جوهر الدين، إضافة إلى التعامل مع إرهابها كمسلّمات جليلة للأسف بسبب تدليسات وتواطؤات محلية واسعة بناءً على رغبات ممنهجة إقليمياً ودولياً خصوصاً ونحن في بيئة التخلُّف المكرّس وسهولة الاختراق؛ فضلاً عن الفقر ومكائده المجتذبة والتصدُّعات الهائلة في الوعي وما يريده المال والإعلام المدنسين بحيث تزدهر جماعات الخراب في بيئة لا تتكرّر كاليمن كون اليمن في ظروف كهذه ينتعش فيها كل من يريد ويعمل على تنمية فوضاه وعنفه وعبثيته عبر استغلال الدين واتساع فقّاسة الفتوى سياسياً في ظل خصوبة الحاضنة الاجتماعية القبلية وانفلات السلاح واستمرار غياب الدولة... إلخ. بلغة أخرى إذا كانت شناعة جرائم تلك الجماعات من الدين في نظر البعض للأسف؛ فلا ينقصنا سوى أن نسمع وبكل بجاحة أن زيادة القتل تكشف عن عظمة التدين مثلاً؛ ويا للعجب كله..!!. لذلك ببساطة أشدّد على أن الدين ليس ضد التطوّر بقدر ما تكمن المشكلة في الأصوليات الدينية التي لا تستوعب المستجدات وتبدع، فالأصولي يتلذّذ بسجن وعيه في مرحلة زمنية، كما أن الأصوليات تسند بعضها بعضاً. ثم إن الجذر الأصولي هنا وهناك واحد؛ السنّة مثل الشيعة راكدون عند زمن علي والصحابة بحيث يريدون جلب المستقبل إلى التراث؛ والمعنى أنه لم يتحرّك تفكيرهم الديني خطوة حقيقية في اتجاه العصر ما يعزّز أن وعيهم الأصولي ضد التطوّر. رغم كل شيء ستبقى إرادة الشعب أقوى من تحديات الإرهاب حتماً، إرادة النهوض ستنتصر لا شك على تحديات التخلُّف. غير أن الأسوأ في السياق اعتقاد مسلمين أنهم الأنقى في هذا العالم وفق منطق «الولاء والبراء» الانغلاقي الذي يحتقر الآخر ويرى في بلدان غير إسلامية دار حرب فلا يحترمون بتعصبهم البغيض قيمة العيش المشترك على الإطلاق، بل الأخطر أن هؤلاء صاروا يرون في بلدانهم نفسها دار حرب فما بالكم بالبلدان الأخرى..!!. تلك هي «الأفكار المريضة السامة الحاقدة على الحضارة وكل متمدّن والكارهة لكل عقل مستنير ينقد ويجادل ويبحث عن الحقائق، دافعاً بالإنسان لكي يبدع ويتحرّر من كل القيود التي تعيق الابتكار والاختراع والخلق والإضافة الجديدة والجيدة للحضارة». الأفكار المعلولة التي ضد التعايش والتسامح والتحديث والتقدُّم، الأفكار المستمدّة من تراث طويل من الإرهاب الفكري والتطرُّف والانغلاق، الأفكار المترسّبة في وجدان الشعوب المضمحلّة معرفياً والتي لا تمارس الانفتاح على الآخر والحريات الذاتية؛ بينما الحريات التي نؤمن بها - حسب جان جاك روسو - هي صفة أساسية للإنسان، وحق غير قابل للتفويت، فإذا تخلّى الإنسان عن حريته فقد تخلّى عن إنسانيته وعن حقوقه كإنسان. والحرية – كما في العقد الاجتماعي لروسو- تعني تمتُّع الفرد بجميع حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في إطار قانوني. [email protected]