لا أحد ينكر أن اليمن وكثيراً من البلدان العربية والإسلامية شكّلت الرافد البشري الأكبر لما سُمّي «المجاهدين في أفغانستان» الذين دعمتهم وموّلتهم أمريكا ودول أوروبا الغربية تحت ذريعة مواجهة المد الشيوعي في أفغانستان، وأن كثيرين من اليمنيين عادوا إلى الوطن ومعهم عدد من الذين لم يتمكّنوا من العودة إلى أوطانهم لأسباب أمنية، وشكّلوا ما يمكن تسميته «السلفية الجهادية» وما سُمّي فيما بعد تنظيم «القاعدة في اليمن» وأقاموا لهم معسكرات للتدريب، وخطّطوا لتنفيذ عدد من الأعمال الإرهابية سواء في اليمن أم في بلدان أخرى. وكانت بداية هذا التنظيم الإرهابي محدودة إلّا أنه توسّع عندما وجد هؤلاء المتطرّفون من يحتضنهم ويوفّر لهم الحماية ويتبنّى قضاياهم لدى الدولة التي تغاضت عن أنشطتهم - وإن كانت في بعض الأحيان تقوم بزخات هجومية خاطفة ضد أوكارهم - واستطاعوا أن يتمدّدوا وينتشروا في أكثر من محافظة، وتوفير الدعم اللوجيستي والمالي الذي مكّنهم من مضاعفة أنشطتهم الإرهابية التي صارت في الآونة الأخيرة بمثابة وجبات يومية تستهدف منتسبي الجيش والأمن والمعسكرات وبعض المنشآت، والاستيلاء على كثير من المناطق، مستغلّة انشغال الدولة بمتابعة التسوية السياسية للأزمة التي كانت «القاعدة» مشاركة فيها من خلال الاحتجاجات والاعتصامات التي شهدتها العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، بينما كان التنظيم يُعد العِدّة للسيطرة على عدد من المناطق، وتمكّن من إعلان إمارة إسلامية في أبين، مستغلّاً انقسام الجيش والأمن ومحاولات بعض القوى السياسية إضعافه وشل قدرته على التصدّي لقوى الإرهاب والقضاء عليها. كل هذه أمور واضحة للعيان؛ خاصة أن هناك الآن ما يمكن وصفه بالموافقة الضمنية لممارسات هذا التنظيم الإرهابي من قِبل بعض القوى السياسية التي تقف موقف المتفرّج مما يجري في البلاد. لقد استطاع تنظيم «القاعدة» في اليمن أن يخلق حالة من الرعب والخوف في أوساط الناس، وإقلاق الأوضاع الأمنية، والتسبُّب في إضعاف دور الدولة وأجهزتها المختلفة وعرقلة أداء واجباتها الوطنية والدستورية، وإيقاف عملية التنمية، وتدمير الاقتصاد الوطني، وتعطيل السياحة، ومغادرة عدد من الشركات الأجنبية التي أوقفت استثماراتها في اليمن، إلى جانب إحجام عدد من الشركات الأخرى عن الاستثمار في اليمن بسبب الحالة الأمنية، وكما قال الرئيس عبدربه منصور هادي إن الكثير من الشركات التي ترغب بالاستثمار في اليمن جاهزة للعمل ولا تطلب سوى الأمن والأمان. إن استمرار هذا الوضع أصبح معيباً على اليمن - دولة وحكومة وشعباً - كما أنه من المعيب أكثر أن يرى المواطن اليمني عاصمته تشهد أعمال الاغتيالات والقتل والخطف سواء لليمنيين أم للأجانب دون اتخاذ أي إجراءات تمنع تكرار ذلك؛ كون الدولة مكبّلة بالمواقف المتخاذلة للأحزاب السياسية التي أوصلتها التسوية السياسية إلى الحكم وأضحت معرقلة لتخليص اليمن من آفة الإرهاب والعنف والتطرُّف والفساد. ومع ذلك فالدولة مصمّمة على مواجهة وردع كل من يحاول الإضرار بمصالح الوطن ويعرقل مسيرة الحياة فيه، وأن المواجهات التي تخوضها القوات المسلّحة والأمن واللجان الشعبية وكل الشرفاء من أبناء اليمن في محافظتي أبين وشبوة لتطهيرهما من هذا الوباء المستشرى والآفة الخبيثة التي عاثت كثيراً في البلاد وزاد تغطرسها في الآونة الأخيرة تفرض على كل القوى السياسية أن تحدّد مواقفها - عمليّاً لا إعلاميّاً - وأن تشارك بفاعلية كبيرة في هذه المعركة الوطنية التي تخوضها الدولة والجيش ضد هذه العناصر التي لا ينفع معها سوى الحسم والاستئصال، ومن ثم القضاء على منابع التطرُّف والغلو والعنف والإرهاب مهما كانت هذه المنابع ومن يقف وراء استمرارها.