عندما نتساءل عن بناء الدولة المدنية الحضارية القائمة على أسس ومقومات العدالة الاجتماعية.. والمواطنة المتساوية.. والحرية، وسيادة القانون، والمساواة في الحقوق والواجبات بعيداً عن المعايير والموازين المذهبية والطائفية والسلالية والقبلية والجهوية.. حينها نكون قد وصلنا إلى مفهوم معنى الدولة المدنية الحضارية.. قد يتساءل بعض السياسيين: هل الدولة الحضارية يصنعها العسكريون.. أم القادة السياسيون.. أم المشايخ والأعيان أم المناضلون..؟!.. في حقيقة الأمر.. لا هذا.. ولا ذاك.. لكن أية دولة مدنية حضارية لابد لها من رؤى سياسية متوازنة.. ودستور متفق عليه إجماعاً.. يُحدّد معالمها واتجاهاتها.. ومستجداتها وتوجهاتها الآنية والمستقبلية الاستشرافية في شتى القضايا: سياسياً، اقتصادياً، تنموياً، اجتماعياً، أمنياً، ثقافياً ...الخ.. وباتفاق كل القوى والمكونات السياسية والوطنية والحزبية بمختلف أطيافها وألوانها.. ولابد أن يكون هناك قضاء مستقل استقلالاً كاملاً وعادلاً، وبعيداً عن الولاءات الضيقة أياً كانت.. لا يفرق بين الحاكم والمحكوم.. ولا بين القوى والضعيف.. الكل أمام القانون سواسية كأسنان المشط.. فالقضاء العادل النزيه من مقومات بناء الدولة الحضارية.. لأنه مختص بشؤون حل الخلافات والنزاعات بين الناس كافة.. لكن المؤسف حقاً أن القضاء في بلادنا سابقاً تعاركته عدة اتجاهات وتوجهات سياسية ومذهبية وفكرية وطائفية.. وهذا ما أدى إلى سقوطه في براثن الفساد والإفساد.. نحن -معاشر اليمانيين- منذ قيام الثورة اليمنية الخالدة وحتى يومنا هذا بعيدون كل البعد عن مقومات الدولة المدنية الحضارية القائمة على أسس العدل، والحرية، والمساواة والمواطنة المتساوية.. وإعطاء كل ذي حق حقه.. هل تعلمون لماذا؟!.. لأن حكامنا السابقين كانوا يحكموننا بقوة السلاح والحديد والنار.. كل شيء تمام يا أفندم.. حتى لو ادخلوا البلاد جُحر الضب.. لذلك كل الذين تولوا السلطة في اليمن قديماً كانوا يسيرون على نهج ونمط الأئمة السابقين، وإن اختلفت مسميات منظومة حكمهم.. وهنا تكمن المفارقة التاريخية التي حكاها القرآن الكريم عن بلقيس وقومها في قوله تعالى: {قالت أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمراً حتى تشهدون قالوا نحن أولو قوةٍ وأولو بأسٍ شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين} «سورة النمل: 30».. خضوع واستسلام مطلق.. وانقياد اعمى.. من قبل قومها.. والتاريخ يؤكد لنا أن حكم الأئمة والملوك لا يدوم طويلاً.. وان امتد إلى عقود لابد له من زوال واندثار.. وصدق عز وجل القائل: {ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون} «سورة النمل: 84».. فاليمن اليوم يحتاج إلى رجال شرفاء أمناء أوفياء.. لديهم رؤية حضارية معاصرة.. وعزيمة فولاذية.. ومشروع نهضوي تنموي اقتصادي ثقافي لبناء دولة مدنية حضارية تفرض هيبتها وقوتها وسطوتها وقبضتها على كافة أرجاء البلاد.. وهذا لن يتم إلا بوضع دستور متفق عليه بالإجماع.. ولابد أن تُعطى فرصة للقيادات الشابة المثقفة المتعلمة المؤهلة حتى تحقق طموحاتها.. وتسهم في بناء الدولة المدنية الحضارية بالاستفادة من خبرات وتجارب السابقين.. حتى تسير القافلة بهدوء وأمان نحو البناء والرقي الحضاري والثقافي وإلاجتماعي.. فالحكم العادل هو أساس بناء الدولة المدنية الحضارية.. والا سنظل ندور كالرحى، ونطحن بعضنا بعضا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. إلى هنا يكفي الوطن تصفية حسابات قديمة.. فالوطن ما عاد يحتمل أكثر مما هو فيه من جراحات وشروخ وآلام ودماء.. وعلينا أن ندرك جميعاً أن أجيالنا اليوم يفكرون بطريقة مغايرة.. لديهم رؤاهم وأفكارهم وطموحاتهم الخاصة بهم.. لذا لابد من مشروع الدولة الحضارية أن يراعي كل هذه المسائل والقضايا.. والذي نخشاه على أجيالنا ضياع منظومة القيم والأخلاق في ظل التحولات والتطورات التي يشهدها العالم اليوم رغم خلافاتنا وصراعاتنا إلا أن الوطن قلب نسكنه جميعاً شئنا أم أبينا..!!..