قال «نهرو» مخاطباً الأمة الهندية: «لأننا أمة فقيرة؛ يجب أن ننفق المزيد على التعليم». أما مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا الأسبق؛ فبعد أن رصد 50 % من ميزانية الدولة لصالح التعليم وقف في إحدى المدارس النموذجية بقرية نائية من قرى ماليزيا مخاطباً طلابها في طابور الصباح قائلاً: «من هنا ستنطلق النهضة الماليزية». وقد كانت المعرفة مورداً حقيقياً للدول والمجتمعات، وكل من راهن على التعليم تقدّم ونجح، اليابان وألمانيا واسرائيل في منتصف القرن المنصرم، وماليزيا وتركيا وفنلندا أواخر القرن العشرين وبدايات ال21. ورأينا منظمات المجتمع المدني في أمريكا تنظّم مظاهرة تطالب فيها برفع نسبة الإنفاق على التعليم في ميزانية الدولة الأمريكية، واسرائيل تنفق 4 مليارات من ميزانيتها لدعم البحث العلمي، واسبانيا تؤهّل 100000 معلّم ومعلّمة لتدريس مادة «التفكير الإبداعي» لطلاب المراحل الأساسية. كل من يحترم نفسه ويسعى إلى أن يكون رقماً حقيقياً في هذا العالم يجعل مسألة التعليم في ذروة اهتماماته وسلّم أولوياته، أما في الوطن العربي فلا توجد دولة واحدة - باستثناء قطر - إنفاقها على التعليم والصحة مجتمعين يساوي إنفاقها على شراء الأسلحة والشؤون العسكرية والحربية، ومع ذلك: فلا خيول لبني حمدان راقصة زهواً، ولا صلاح مالئ حلباً..!! فالدول العربية فاشلة في معركة التنمية والبناء كفشلها في معركة السلاح والدفاع سواء بسواء. وفي حين لم تعد «الدول المحترمة» تفاخر كثيراً بأن نسبة الأمّية فيها صفر % فإن الأنظمة العربية إلى اليوم ورغم مرور عشرات السنين على قيام الثورات العربية ضد الاستعمار لم تستطع القضاء على الأمية «أو بالأحرى هي لم تُرد ذلك» فمازالت نسبة الأمية في الوطن العربي هي الأعلى عالمياً «أكثر من 60 % من العرب أميون أبناء أميين..!!». النظام التعليمي في الوطن العربي إجمالاً يخرج لنا حفظة وموظّفين يجيدون القراءة والكتابة فحسب إن أجادوها ومازلت أتذكّر مدير مدرسة أساسية ويُعد لرسالة ماجستير في الإدارة التربوية في إحدى الجامعات العربية وهو يكتب كلمة «الغة العربية» بلام واحدة «اللغة العربية» ووكيلة مدرسة أخرى وهي تحوّل «اللجان الامتحانية» إلى فراديس وجنان، فتكتبها هكذا: «الجنة رقم...!!» وهذه أخطاء في معلومات من الإملاء بالضرورة وليست حالات فردية بل ظاهرة ملحوظة في مخرجات التعليم ومن يقومون بعملية التعليم. وكل هذا يهون أمام مصيبة أعظم؛ وهي أعظم لأنها متعلّقة بالسلوك وثقافة المجتمع، أقصد بها «عملية الغش في الامتحانات» التي أزعم أن التساهل إزاءها جريمة أشبه بالخيانة الوطنية العظمى بكل المقاييس، وهي أعظم لؤماً وإثماً من «عملية الغش في الانتخابات» والمؤسف أنها أصبحت لدينا هنا في اليمن ثقافة مجتمعية تجد لها المبرّرات عند الكثيرين، وقد صوّرها صديقي الكاتب محمد اللطيفي ذات مقال بمشهد كاريكاتوري يعيشه الطالب كل يوم «تقول له أمه وهو ذاهب إلى الامتحان: خليك شاطر وغش صح..!! ويقول له أبوه: ولا عليك هي 500 ريال لكل مادة ليصل القاعة، فيقول له المراقب: يا الله افرقوا..!! ويمشي في الشارع فينظر إليه كمحارب عاد منتصراً، ليدخل المسجد يدعو الله أن يرزقه بمراقب عرطة! والإمام يزكّيه: يا ابني أهم حاجة لا تبرشم في القرآن..!!» وشر البلية ما يضحك. وزير التعليم الأمريكي في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق “ريجن” يقول: النهضة التعليمية في اليابان هي سبب النهضة الاقتصادية فلابد أن نتعلّم من النظام التعليمي هناك، ونطوّر نظامنا التعليمي وفعلاً يتم ذلك ويصدر “ريجن” برنامج «أمة في خطر» ليأتي بوش الأب ويواصل العملية ويصدر شعار «أمة من طلاب» ويصل الأمر بأوباما إلى أن يقول للشعب الأمريكي في واحد من أهم خطاباته: «إذا أردنا أن نتفوّق على العالم في المستقبل فينبغي أن نتفوّق على العالم في التعليم الآن». كل هذا يحدث بينما يطلق مسؤول يمني رفيع المستوى جداً في إحدى السنوات الماضية هذا التصريح: «اليمن ستدعم تطوير التعليم في جزر القمر».. مرة أخرى «شر البلية ما يُضحك»..!!. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك