حققت غزة نصراً مشرفاً ولكنه بالطبع مشرف لأبناء غزة فحسب إذ إنه من المخجل أن نتشرف نحن العرب ونعتز بهذا النصر ونحن تخلينا عن غزة وشطبنا القضية الفلسطينية من قائمة اهتماماتنا. غزة انتصرت برجالها ونسائها وأطفالها على دولة تملك الإمكانيات العسكرية الضخمة والدعم الإعلامي والمعنوي العالمي ولكنها لا تملك الحق في أي شبر من أراضي فلسطين. انتصرت غزة لأنها لم تعول على العرب وتستجديهم، فالعرب مشغولون اليوم بطوائفهم وأحزابهم تركوا كل القضايا واهتموا بإراقة دماء بعضهم البعض يحتارون أي طريقة أكثر حداثة في القتل هل يقترفون جرائمهم بالبندقية أم بالسكين. يشحذون الهمم العالية لإسقاط دولهم من دائرة السلام، يبذلون قصارى جهودهم لإنهاء حاضر ومستقبل أبنائهم. لم يعد مهما في حساباتهم أن تنتصر غزة أم لا ولكن الأهم أن ينتصروا هم وأحزابهم وطوائفهم على الوطن والمواطن المسكين الذي يتربص به الموت على ناصية الشارع ويتبناه الحزن أبناء باراً.. انتصرت غزة وانهزم العرب في كل الوطن العربي فالذي لا يقتل فهو قاتل ومن سواهما يمد المال والسلاح لإضرام نار الفتن لتنشغل كل العرب بدمار أوطانهم. أولئك الذين ينمقون أحاديثهم ويتحدثون كثيراً عن غزة المحاصرة وثم غزة المنتصرة ويتحدثون ثم يتحدثون عن الوطن وهمومه وأحزانه بينما يهبّون هبة رجل واحد لتفتيته وتمزيقه والعبث بأمنه وأمانه أولئك الأبطال الذين يدفعون الناس أفواجاً أفواجاً للموت هم أنفسهم من يختبؤون في مخابئ وجحور تستحي الفئران والجرذان السكن فيها. انتصرت غزة لتثبت لنا بأننا العرب صرناً مسوخاً قبيحة تفوح منا رائحة الدم القذرة نستلذ لحوم بعضنا البعض أحاديثنا كلها كاذبة وأفعالنا نفاق لا نفقه في الحياة شيئاً كما نفقه لغة التحريض وإصدار البيانات الجوفاء، لا تستطيع أيدينا أن تزرع أو تصنع ولكنها تحترف و بجدارة ارتكاب المعاصي وقلوبنا عجزت عن الحب فصارت مصانع للكراهية والحقد، ليأتي أخيراً من يسأل مستغرباً حال البلاد والعباد.. [email protected]