وبلورة للسؤال فإن مهام الفترة الانتقالية تقفز إلى الصدارة لتشكّل، إذا نفّذت برشد اللبنات الأساس لبناء دولة، فما الذي جرى في هذه الفترة القصيرة جداً..؟!. ابتداءً أريد تكوين مدخل مهم يعرفه كل أفراد النُخب العاملة في مجال السياسة اليمنية، وهو أن المسرح الديمغرافي المتشكّل منذ قرون كثيرة هو مسرح قبلي بامتياز لم يتمكن من الحلحلة الجوهرية قيد أنملة وذلك بفعل تمسُّك شيوخ الإقطاع التقليدي، وبدعم من دول أضحت فاعلة على المسرح السياسي الإقليمي، بنمط الحياة القبلية وبنسيج علاقات متخلفة يعود وجودها إلى ما قبل ظهور الدولة في العالم، هذا المسرح هو الذي فرض مركزاً سياسياً متخلّفاً يقوم بإعادة إنتاج آليات السيطرة على مسارح ديمغرافية عزلت نفسها منذ زمن بعيد عن العيش في ظل العلاقات القبلية. وترعرعت على هامش هذا المسرح الديمغرافي القبلي منذ سنة 1962م طُغم عسقبلية حلّت محل نظام ما قبل سبتمبر 62م الذي ثبّت أقدامه منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى وانسحاب الجيش التركي من اليمن وكرّست هذه الطغمة نفوذها بعد ظهور البترول وزيادة منسوب الأموال والتدخُّل الخارجي تحت يافطة دعم المجهود العسكري لمحاربة دولة الجنوب سابقاً وإزاحة النفوذ السوفيتي من جنوباليمن حينذاك. وباندلاع الأحداث السياسية والأعمال العسكرية المحدودة في صنعاء؛ دخلت النُخب السلطوية في مأزق الأزمة العامة العميقة التي شملت كل مناحي الحياة، كما ظهر وبحدة الانقسام الجهوي والاجتماعي وانكشفت هشاشة السلطة العسقبلية سابقاً التي كانت تزعم عبر خطابها الإعلامي والسياسي التضليلي أنها تقود دولة مكتملة الأركان. و33 سنة من حكم طُغمة عسقبلية ضحلة المعرفة والثقافة، و52 سنة من ترويج بئيس لأهداف ستة معلقة على ترويسة الصحف الحكومية؛ لم يجر أي ترميم لوجه التخلّف القبيح، وتركزت السلطة أكثر فأكثر في حيز جغرافي يستدرج إكراهاً مئات الآلاف من السكان إلى حفرته موهماً الداخل والخارج أن الأمور تسير بصورة جيدة من التعايش الثقافي، ولكن الجوهري كان واضحاً وهو بقاء هذه الجغرافيا القبلية العصبوية مقيّدة إلى وظائفها العتيقة ومقبرة للتطوّر والتقدم الاجتماعي. والحصيلة الأساس، لم تعمل النُخب التقليدية في المنطقة القبلية المرتهنة إرادتها لدن النُخب التقليدية القبلية الجوهر في البلدان المجاورة، و«شقاتها» من نُخب المناطق الزراعية المخضوعة والتي نالت قسطاً من التعليم، على فرش الطريق لإعداد البيئة الضرورية والملحّة لتنفيذ مشروع الدولة، هذه البيئة المفترضة واجهتها معوّقات كالحرب التي دارت منذ 1962م وحتى 8 فبراير 1968م والمواجهة الطائفية في أغسطس 1968 م وشحة الموارد المالية، واجتياح الفساد المالي والإداري الذي ازداد 100 % بعد عام 1978م وتدخّل المال السياسي الخارجي.... إلخ؛ غير أن فرصاً مهمّة لاحت بعد الوحدة في مايو 1990م والمجهضة بفعل حرب 1994م التي خلقت بيئة سياسية لإعادة إنتاج دولة. وكل الأحداث المتراكمة عزلت المنطقة اليمنية عن منطق وموضوعية معطيات العصر الراهن وشرنقته في إطار التناقضات ما قبل الدولة، حيث يتسيّد المركز السياسي القبائلي على الأطراف المتقدّمة ثقافياً الأمر الذي خلق فجوة بين من يهيمن ويحكم وبين من يحكم ويشقي ويوفّر الإيرادات الضرائبية وأخواتها والنفط وأخواته وهو القائم على شعار: نحكمكم أو نقتلكم..؟!. وحينما اندلعت الأعمال الهجومية المعاكسة للمقاومة الشعبية السلمية في الجنوب ولحقتها بزمن متأخر الانتفاضة في المناطق الشمالية كانت المعطيات تؤكد أن المنطقة قد تشهد تطوّرات إيجابية بحثاً عن البيئة المفترضة لمشروع الدولة.