وبعد سنة من تلك المهزلة المدعوّة (الانتخابات) اندلعت حرب 1994م مخلفة وراءها الكارثة والواقع السياسي الذي كانت تنشده قوى التحالف الثلاثي الاستراتيجي، وهو استكمال ابتلاع مناطق المحافظات الجنوبية، التي ظلت خارج السيطرة لفترة أربعة قرون تقريباً، وتأسست مرحلة جديدة بعد ذاك تقوم على السيطرة المطلقة على السلطة السياسية تحت قيادة عسقبلية مطلقة الصلاحيات. وبدأ دستور 1981م الذي اُعتمد في مايو 1990م بوصفه وثيقة تاريخية لا يُعمل بها في اليمن يترنح تحت ضربات مصالح التحالف الثلاثي، وبوجود كرتوني لبقايا الانتخابات المزوّرة لسنة 1993م من ممثلي المحافظات الجنوبية، واختط النظام الحاكم نهجاً سياسياً جديداً يختلف عن نهجه قبل مايو 1990م وعن نهجه قبل 1994م، والذين قالوا ومازالوا يقولون: إن علي عبدالله صالح أعاد إنتاج أنظمة، وهياكل الجمهورية العربية اليمنية جانبوا الصواب التنظيري، وما قام به علي عبدالله صالح هو تكريس سلطة العسقبلية الشمولية التي قادت الحرب وابتلعت الجنوب مع إعطاء هامش سياسي لشيوخ الإقطاع السياسي وفقهاء الجريمة، والذي عمل علي عبدالله صالح على تقسيمهم واستخدامهم ك(كُرة) ولمدة مؤقتة أو أكثر بحسب استجابتهم للاستخدام المتكرر. وكان على هذه الطغمة خداع الداخل والخارج بأن المنطقة الأكثر تخلفاً في العالم يمكنها الأخذ بمبدأ الديمقراطية، وأن الديمقراطية مبدأ أصيل في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وأنها تجربة مميزة في الجزيرة والخليج، وتطرف اقترح العقل الأمريكي والأوروبي نوعاً جديداً من الديمقراطية وهي: الديمقراطية الناشئة تجنباً للوقوع في خطأ المصطلحات المستخدمة في البلدان المحكومة بالحديد والنار. والديمقراطية الناشئة أريد لها أن تنتشر وتعمل داخل بيئة متبدونة وقبائلية لا تفقه من المدنية حرفاً واحداً؛ إذ بدأت الآلة الإعلامية الأمريكية والأوروبية تعزف على نغمة (الديمقراطية الناشئة)، كما بدأت بإنجاب المنظمات لهذه الأغراض، ولتكن شاهد زور على ممارسة السلطة التزويرية، وعلى صيرورة الاستبداد والفساد والإقصاء والاستبعاد الذي زاد منسوبه في المحافظات الجنوبية وضد قوى الممانعة في الصحافة. وخلال 3 سنوات لم يتمكن الحزب الاشتراكي من لملمة كيانه التنظيمي والإمساك بزمام خطابه السياسي، واضطر للعمل وفقاً لشروط سلطة ما بعد حرب 1994م. وخلال هذه الفترة أعدت السلطة العسقبلية العدة لإنتاج عملية انتخابية خاصة بها، من حيث: التغيرات الدستورية والقانونية، وتشكيل اللجنة الانتخابية، وترتيب الإدارة الانتخابية، ودعوة المنظمات الدولية المختصة بمراقبة الانتخابات، وفي 1997م أجرت الانتخابات التي غاب عنها الحزب الاشتراكي وفيها حصد التحالف الثلاثي جميع مقاعد البرلمان المعمد من قبل المنظمات الدولية. وفي مسار متفق عليه بين قيادة التحالف الثلاثي المهيمن على القرار السياسي وعلى الثروة توسعت صلاحيات رئيس الطغمة العسقبلية والتي سمحت له بإدارة البلاد عبر الهاتف، والتهديد والوعيد، وعبر شراء أعضاء النخبة، ومكنته من تحسين مطبخ العملية الانتخابية والتي جلبت بعض أعضاء الحزب الاشتراكي إلى برلمان مزيف سنة 2003م، في الوقت الذي وقف رأس الطغمة أمام نجاح يحيى منصور أبو أصبع في محافظة إب، وهو عضو قيادي في الحزب الاشتراكي كان قد خاض انتخابات 1997 كمستقل، وتم إنجاحه نكاية بالحزب الذي قاطع الانتخابات، وهو القرار الصائب الذي أتخذه منذ 1990م وحتى الآن. وقدمت انتخابات 2003م صورة مطابقة لمصالح التحالف الثلاثي بنسخته الجديدة، والتي بدأت تأخذ طابعاً خلافياً أو صراعياً حاداً، وشكلت انشقاقاً واضحاً بين أعضاء هذا التحالف. ومن أهم الملامح المنتجة لهذه العملية الانتخابية الآتي: أولاً: التمديد والتوريث، وهذا المبدأ متجذر في ثقافة المنطقة القبلية، وتمظهر في الوظيفة العامة والسياسية، ناهيكم عن الثوريث في القضاء والمشيخة، غير أن التمديد اتخذ طابعاً قانونياً من خلال تثبيته في دستور الطغمة المهيمنة سنة 2001م، ومنه استمد مجلس نواب 2003م تمديده من خمس سنوات إلى سبع سنوات، أما رئيس الطغمة فتصفير العداد هو نقطة انطلاق التمديد، وازداد التمديد تجلياً في سنة 2009م وإخراجه بثوب اتفاق سياسي على مائدة مجموعة من اللئام، حيث أضحى عمر مجلس كهذا حتى الآن 9 سنوات، وقد تمد، وفيما يتعلق بالتوريث فإن عديد من المقاعد لا يمكن انتقالها إلى الآخرين كدوائر عمران.. وهلم جراً. ثانياً: حملت هذه المهزلة الدستورية والانتخابية أغلبية متخلفة ثقافياً أجاد جهاز الاستخبارات قيادتها واللعب بوظيفتها، وكانت حرب صعدة دليلاً على تبعيتها لمشيئة الطغمة، مدعمة بإزالة الحصانة عن يحيى الحوثي لثلاث مرات، وهو مقيم في ألمانيا دون ارتكابه أية مخالفة.