وأصيبت الجمهورية منذ الأشهر الثلاثة الأولى من حيث وظيفتها الجوهرية؛ وهي الشروع في بناء أركان الدولة الغائبة حينما نحت نحو الصراعات المذهبية وتحريف التناقضات التي كانت طافية على سطح الملعب الاجتماعي والسياسي؛ أصيبت بانتكاسة ساحقة لمصلحة السلطة المطلقة بمساندة الإدارة الأمنية العسكرية المصرية؛ وهي التي أنتجت تناقضات وصراعات دامية على السلطة بين العسقبليين الذين نفّذوا الانقلاب على إمامهم وبين النُخبة التقليدية في المنطقة القبلية الجبلية بما في ذلك نُخبة العهد الملكي في الداخل والخارج. ودخلت هذه القوى في صراعات دامية وتنفيذ انقلابات عسكرية مكرّسة لسيادة السلطة ضد الدولة، وازدادت السلطة تكريساً ككائن بديل للدولة بعد استيلاء الطغمة العسقبلية الفاشية السنحانية على السلطة سنة 1978م والتي استفادت من: “1” تدفق الأموال من دولة الإقليم مقابل عدم بناء الدولة. “2” تدفق الأموال من الرأسمالية التجارية بصورة قسرية. “3” تدفق الأموال من إنتاج البترول من مأرب. “4” استغلال السلطة وارتفاع منسوب الاستبداد والإقصاء السياسي بهدف الجمع بين السلطة المطلقة والتجارة..!!. وفي الاتجاه المعاكس كانت قضية بناء الدولة تشغل بال القيادات السياسية العليا في الجبهة القومية وجبهة التحرير، وتجلّى ذلك في المباحثات السياسية بين مفوّضي القيادتين المنعقدة في مصر قبل انطلاق المفاوضات بين مفوّضي قيادة الجبهة القومية ومفوّضي الإدارة البريطانية بجنيف في أواخر نوفمبر 1967م، حيث انفردت الجبهة القومية بالتمثيل السياسي مُقصية "جبهة التحرير" من المفاوضات، ثم الإقصاء من الشراكة السياسية، وهذه حقيقة لا تحتاج إلى جدل؛ لأنها من ضمن حقيبة الماضي الذي لن يعود إلا بكونه ذاكرة ينبغي عدم إعادة إنتاج تأثيرها أو استخدامها للأغراض الانتهازية السياسية أو لأغراض الانتقام الاجتماعي أو تصفية الحسابات أياً كان نوعها. ولأنها لم تكن بحاجة إلى نشر فكرة “نشتي دولة” في الوعي المحلّي؛ فقد شرعت الجبهة القومية بتطبيق السؤال المركزي: كيف نبني الدولة..؟!. لم تجد الجبهة القومية التي تسلّمت مقاليد الأمور السياسية والإدارية والمالية من الإدارة الإنكليزية تحت قيادة فرع حركة القوميين العرب سنة 1967م أية صعوبات معقّدة للشروع في بناء دولة بسيطة مركزية؛ إذ أخمدت في البدء منافسها العسكري "جبهة التحرير" التي ظلّت تحاول فرض معارضتها بالقوة العسكرية عبر عمليات في المدن الرئيسة وبالذات في العاصمة عدن كان آخرها العملية المشهورة التي أطلق عليها أثناء وبعد المحاكمة “دهمس” التي قادها علي معوضة الذي يشغل الآن وكيل محافظة شبوة وعضو “مؤتمر الحوار” وعضو فريق القضية الجنوبية دون تفويض من المكوّنات السياسية الفاعلة في الجنوب. وكانت الإدارة العسكرية الأمنية الإنجليزية قد تكفّلت بإزاحة "رابطة أبناء الجنوب العربي" من ساحة المعارضة في وقت مبكّر، ثم أكملت الجبهتان مهمة ملاحقات منتسبي هذا التنظيم في خضم الكفاح المسلّح، وحاصرت وجودهم البشري في شمال شبه الجزيرة “الحجاز” أما الأحزاب التي فرّختها المخابرات البريطانية فقد تبخّرت من المكان ولم تشكّل أي مخاطر تُذكر، أما فروع الأحزاب الإقليمية والأممية كالبعثيين والاشتراكيين فقد رفعوا القبعة لحركة القوميين العرب الحاكمة رغم رذاذ الملاحقات البوليسية الموقتة التي طالت العديد من نشطائهم من 1968م وحتى يوليو 1969م حينما بدأت المداعبات السياسية تصل إلى نهودهم والمؤدية بعدئذ إلى المفاوضات والاتحاد التنظيمي سنة 1975م، والذي أنجب التنظيم السياسي الموحّد الجبهة القومية، وفي 1978م أنجب الحزب الاشتراكي اليمني، وعشية 30 نوفمبر 1967م انطلق العمل لإنجاز بناء الدولة......... «يتبع».. رابط المقال على الفيس بوك