«يا حيا باكن ، بقاشرهن ديساقطري».. نصيحة ، لا داعي للإنشغال بما هو مكتوب بين القوسين أعلاه . ففي «سقطرى» ماهو أهم ،خصوصاً إذا ما شاهد أحدكم وهو يزور الجزيرة لأول مرة مجموعة نساء في خانة طقم عسكري مر للتو من أمامك يسابق الريح !! أي جريمة ارتكبن لا سمح الله ، ذلك أول سؤال سيخطر على بالك وأنت تشاهد قرابة «18» امرأة ، البعض جالسات وأخر واقفات وشراشفهن «عباءاتهن» السوداء متروكة للريح ، والريح كعادته يلهو بكل ماهو فضفاض وخفيف. - هل تقطعن لأحد ؟ هل قُمن مثلاً بأعمال قرصنة في البحر ؟ هل ، وهل وهل و...............الخ شخصياً وضعتُ يدي على قلبي وأنا أسأل عن نوع الجريمة التي أرتكبنها ، رغم ثقتي الغزيرة بأن السقُطريين أوادم مسالمين جداً. لكن «ناظر» سائق السيارة التي تنقلت بها في الجزيرة همس إليَّ غير مبالٍ بقلقي «ذينه نساء من الجزيرة ، رايحات في رحلة»... لحظتها فقط تنفست بارتياح حينما عرفت أن ندرة سيارات النقل العمومية في الجزيرة طوّعت جلافة «الميري» لصالح الناس .. إذ نادراً ما تقوم الأطقم بمهام إنسانية غير مدفوعة أو .. دون تدخل أعقاب البنادق . ذلك ما طبع في ذاكرة اليمني الجمعية. لكن ما حدث شيء طيب ويستحق التحية. وفي جزيرة «سقطرى» ميناء بحري متواضع ، ومطار طول مدرجه (3400) يقع طبقاً لمديره العام «أحمد حمود طارش» على (7) خطوط دولية .. وسيكون بوسع طائرات العبور خلال الأشهر القادمة التوقف في المطار للتزود بالوقود لكن الصعوبة بعينها في الجزيرة البالغ تعداد سكانها قرابة «80-100) مواطن أن تجد تاكس أجرة ، أو باصات نقل عمومية. «والله ننتظر أي حد على الماشي ، وإذا كان فاضي يأخذنا معاه». وأردف سعيد باشحيم : «بالنادر تلقى باصات نقل ، بس الناس هنا قدها تعرف بعض واللي معه سيارة يوصل أي حد يلقاه في الطريق».. منذ بداية الألفية الأولى للميلاد ، عرفت «سقطرى» بكونها أحد أهم مراكز تصدير السلع التي كانت تستخدم في إحياء الطقوس والشعائر في ديانات الشرق القديم .. وفي ديانة السنوات الأولى من حُكم الحزب الاشتراكي اليمني للجنوب منذ 1967م أُعتبرت الجزيرة «منفى» واحيطت بكثير من الأساطير الشعبية كحالة ذُعر. أحد الأصدقاء «الحضارم» حكى لي حجم الرُعب الذي ضرب قلبه حينما وجد إسمه بين قائمة اسماء تم توزيعهم لأداء الخدمة العسكرية (بعد الثانوية) في جزيرة سقطرى.. «كانوا يقولون الجزيرة فيها سحرة ، واللي يروحها ما يرجع!!» ثم ضحك «طارق» وأضاف : «الأهالي ، كانوا يخوفونا ، ماحد كان يروحها، كانت منفى».. غير أن الحزب الاشتراكي الذي خرج من السلطة لم يترك الجزيرة بلا أثر على ما يبدو ، بل ورّث للأهالي هناك ما يمكن اعتباره اشتراكية مُشاعة يومياً ، هي اشتراكية «التوصيلة للجميع». إذ يكفي المواطن في الجزيرة أن يقف ولو لساعات في انتظار سيارة تمر ، وباشارة واحدة يتوقف سائقها ببال رائق وطويل ليحملك إلى حيث يقف ، ومن بعدها : «اكمل المشوار » معتمداً على لياقتك البدنية. وكزائر للجزيرة ، إنتبه جيداً : تحتاج يومياً مبلغ (10.000) آلاف ريال لتتمكن بسيارة تصحبك طيلة اليوم.. من التنقل بين شاطئ وآخر ، وبين السهل المتسع والجبل المرتفع ، بين الفندق والسوق .. وبين جيبك ، ومحل الصرافة الوحيد في العاصمة (حديبو) حيث تنسى هناك في لحظات الزنقة الفرق بين المائة الريال السعودي ، وال(مائة دولار). وتتلخبط عليك الحسبة تماماً .. فكلاهما يذوبان سريعاً كحلوى العُطب. ووحدها الجزيرة الفاتنة من تبقى عالقة في جيوب القلب وصندوق الذاكرة. ولأن الجزيرة في اعتقادي شدت الأنظار إليها في السنوات الأخيرة فحسب ، تحديداً بعد إعلانها محمية طبيعية في 27 سبتمبر 2000م ، فإن مرور «سقطرى» إلى الآن ليس أكثر من لوحة معدنية صدئة ، كتبت بخط اليد ! والواجب أن نقدر للإدارة العامة للمرور جهدها العظيم فيما يخص ظهور (أرقام السيارات) دون أية أخطاء إملائية !! برافو !!.. و(يا حيا باكن بقاشرهن .. ديسا قطري» فإنها باللغة السقطرية تعني (..مرحباً بكم في جزيرة الأحلام .. سقطرى»..