تحدثنا في المقال السابق - عن حسبة توزيع صافي راتب موظف الجهاز الإداري الحكومي صاحب المؤهل وخدمة «15» سنة وأسرة مكونة من «5» أفراد.. ورأينا أن الباقي بعد خصم الإيجار لا يفي بقيمة العيش وإدام من بيض وفول وفاصوليا.. ما بالكم ببقية المتطلبات الأخرى للحياة!!.. ونحن بطرحنا هذا إنما نستهدي بالقانون رقم «43» لسنة 2005م بشأن نظام الأجور والمرتبات، حيث ورد من ضمن أهدافه بالمادة «3» الفقرة «ح» ما نصه: «رفع الحد الأدنى للأجور والمرتبات بما يتناسب وخط الفقر».. وعرّف القانون خط الفقر في باب التسمية والتعاريف بأن «قيمة سلة المواد التموينية الأساسية التي تشتمل على المواد الغذائية وغير الغذائية، ويقاس من خلال النتائج التي تكشف عنها المسوحات الدورية لميزانية الأسرة». ومن المعلوم أن المواد التموينية الغذائية تشمل «القمح والدقيق والأرز والسكر والبيض واللحوم والأسماك.. وحليب الأطفال، وتدخل فيها الخضروات من فول وفاصوليا وبطاطس وطماطم و... إلخ» والمواد التموينية غير الغذائية منها «الأدوية والملابس ونفقات استهلاك الخدمات كفواتير المياه والكهرباء والهاتف وأجور المواصلات.. و... إلخ». ونلاحظ أن القانون - من خلال نص واضح وصريح لا يحتمل اللبس والتأويل - يهدف إلى توفير الراتب الذي يكفل حد الكفاية لمعيشة الموظفين من المواد الغذائية وغير الغذائية، وليس في القانون أي قصور في هذا الجانب، ولكن التقصير في الواقع التطبيقي الذي لا ينسجم مع هذا النص الرائع!!. فقد لاحظنا من خلال حسبتنا البسيطة - في المقال السابق - أن الراتب المتوسط «000،30» ريال وليس الأدنى صافي «400،16» ريالٍ شهرياً لا يفي بأقل المواد الغذائية.. بينما المستهدف من القانون هو الحد الأدنى!!. مما يعني ان الهدف الرئيس للقانون لم يصل حتى الآن إلى تحقيق حد الكفاف للواقع تحت مستوى خط الفقر!!.. ونتحدى أي مسوحات لميزانية الأسرة - المشار إليها بالقانون - أن تتعامل مع أعلى الرواتب الحالية وليس الأدنى.. وتوزيعها على متطلبات أقل مستوى من المواد الغذائية فقط دون غيرها من المواد غير الغذائية !!. ونود التنبيه إلى نقطة مهمة جداً - بهذا الخصوص - وهي أن الحيف في وضع الرواتب مقتصر على موظفي الجهاز الإداري ولا يدخل فيه المحظوظون من المقربين وأصحاب اليمين.. من موظفي الهيئات والمؤسسات والشركات والبنك المركزي والأجهزة القضائية والتشريعية والرقابية.. رغم ان الاستراتيجية تشمل الجميع كوحدات للخدمة العامة. إلا أن صافي ما يستلمه موظف تلك الجهات من راتب وحوافز ومزايا مصاحبة للراتب تزيد على ثلاثة أضعاف وأضعاف كثيرة ما يستلمه زميله الموازي له بالجهاز الإداري بالمستوى نفسه والتخصص وفترة الخدمة.. بالإضافة إلى الرعاية الصحية للموظف وأسرته في الداخل والخارج وإعانات الزواج والولادة والوفاة!! وكل هذا خلل إضافي آخر يخلق معه فوارق اجتماعية بين موظفي الدولة ويخل بمبدأ تكافؤ الفرص. هي ليك يا مهرة !! ونحن ندرك أن هذه المرحلة هي الأولى من الاستراتيجية وستلحقها زيادات في مراحل لاحقة.. ولكن كان من المفترض أن تحقق المرحلة الأولى منها حد الكفاف الأدنى للموظفين كهدف رئىسي للقانون وهو ما لم يتم !!.. في الوقت الذي يسابق الارتفاع المحموم للأسعار مقدماً بقية المراحل للزيادة بمواعيدها المعلقة المجهولة!! وقد مرت حوالي سنتين منذ أول مرحلة.. وكان المتوقع ان نكون اليوم مع نهاية المرحلة الثالثة. وحالياً يجرى تنفيذ مشروع البصمة الوظيفية الذي سيأخذ فترة إضافية إلى جانب ان العلاوات مجمدة حتى عام 2009م، فكم سيطول الانتظار ؟!. وإننا نخشى ان يكون حالنا مع نجدة الزيادة المعلقة على غرار الحكاية الشعبية للبقرة «مهرة» التي ظلت ترفع صوتها بالخوار كل يوم وهي تتطلع إلى حزمة البرسيم المعلقة بالحظيرة فوق رأسها، ومالكها يجيبها كلما سمعها: «هي ليك يا مهرة.. هي ليك يا مهرة.. » !!.. وفي النهاية ماتت مهرة والعقدة العجور «حزمة البرسيم» معلقة فوق رأسها!!!.. وللحديث بقية..