أدى حلول شهر رمضان مع أوائل شهر سبتمبر/أيلول الجاري إلى حدوث خسائر كبيرة في صناعة السينما المصرية بسبب تقلص الموسم الصيفي مدة شهر على الأقل، وهي فترة الشهر الكريم؛ إلا أن الوجه الآخر للحقيقة هو أن رداءة بعض الأفلام المعروضة لها دور كبير أيضاً في إلحاق الخسائر، والدليل على ذلك هو أن الأفلام الجيدة حققت نتائج جيدة. ويشكل الموسم الصيفي الحالي الذي تم خلاله عرض 14 فيلماً جديداً، أول خسائر حقيقية لعدد من الأفلام التي لم يتح لها العرض فترة طويلة في ظل هذه المنافسة الشرسة على فترة العرض القصيرة هذه. ولم ينج من تلك “المذبحة” سوى أفلام بعض النجوم، وعلى رأسهم أفلام الفنانين: أحمد حلمي “آسف على الإزعاج”، وأحمد مكي “إتش دبور”، وبدرجات متفاوتة من النجاح فيلم الفنان عادل إمام “حسن ومرقص”. تأتي هذه الخسارة في ظل رهان لصناعة السينما المصرية على الموسم الصيفي الذي يعتبر موسم الإيرادات الأعلى خلال العام، والذي يجمع ما يزيد عن نصف إيرادات العام كله. تقدير المنتجين ويختلف تقدير حجم الخسائر عند المنتجين الذين حملوا مسؤولية الخسائر للحلول المبكرة لشهر رمضان المبارك هذا العام، والذي حرم الموسم الصيفي من 4 أسابيع ثمينة في ظل تكلفة إنتاجية عالية للأفلام ال14 التي عرضت خلاله، والتي يعتقد أنها تجاوزت 220 مليون جنيه، ولا يمكن تأكيدها بسبب عدم الإعلان الحقيقي عن التكلفة الفعلية للإنتاج، وأجور الفنانين. فرغم الاختلاف في تقديرات الإيرادات في الموسم الصيفي التي تتراوح بين 220 مليون جنيه (45 مليون دولار) و140 مليون جنيه (28 مليون دولار) فإن الكيانين الكبيرين المسيطرين على صناعة وتوزيع الأفلام اتفقا على أن التراجع هذا العام في الإيرادات كبير. فمصادر الشركة العربية التي سيطرت على 65 في المائة من إيرادات الموسم الصيفي الحالي تؤكد على أن نسبة التراجع تصل إلى 25 في المائة، أي ما يساوي الفترة الزمنية المفقودة من الموسم الصيفي. في حين تدفع مصادر المجموعة الفنية المتحدة التي تضم تكتلاً كبيراً يشمل شركة “النصر” لحسن رمزي، و”الماسة” لهشام عبد الخالف، والشركة العالمية لورثة يوسف شاهين، و”أوسكار” لوائل عبد الله، والمنتج والموزع فاروق صبري، وآخرين إلى أن الموسم تراجع بنسبة 40 في المائة، بالمقارنة بالصيف الماضي الذي تجاوزت إيراداته سقف 200 مليون جنيه. اللافت أن مفهوم الخسائر في الإنتاج الفني مفهوم نسبي إلى حد كبير، فمن المعروف أن الإنتاج السينمائي نادراً ما يكون خاسراً على المدى الطويل، وخصوصاً مع انطلاق الفضائيات والقنوات المتخصصة بعرض الأفلام. كذلك تسويق أشرطة الفيديو واسطوانات ال”دي في دي”، إلى جانب ارتفاع نسبة التسويق في الأسواق العربية التي بدأ بعضها في الانتعاش مثل الأسواق الخليجية والأردنية والسورية في الفترة الأخيرة، والانفتاح الذي لا يزال في البدايات في بعض الدول الأوروبية على الفيلم العربي، وخصوصاً مع زيادة حجم الجاليات العربية فيها. بوشكاش والبيبي دول ومن المهم الانتباه إلى أن الخسائر يحسبها المنتجون أيضاً على أساس ما يتوقعونه هم من نجاح وإيرادات مقابل تكلفة الإنتاج، فمثلاً فيلم “ليلة البيبي دول” لعادل أديب الأغلى تكلفة في تاريخ السينما المصرية، والتي وصلت تكلفة إنتاجه إلى 40 مليون جنيه، لم تتجاوز إيراداته 6 ملايين جنيه، رغم الحشد الكبير لنجوم السينما المصرية والعربية. كذلك نموذج الفنان محمد سعد في فيلم “بوشكاش” وأجره المرتفع الذي يقال:إنه يصل إلى 10 ملايين جنيه مصري، وذلك لتوقع المنتج الحصول على إيرادات تصل إلى ما فوق 30 مليون جنيه، والتي كانت تحققها أفلام هذا الفنان في سنوات سابقة، لكنها تراجعت الآن إلى أقل من 12 مليون جنيه.. فهنا التراجع يعتبر خسارة. لذلك فإن تحميل الحلول المبكر لرمضان مسؤولية هذه الخسائر من قبل منتجي الأفلام الخاسرة أو منتجي أفلام كان يتوقع لنجومها أن يحققوا إيرادات أعلى مما حصلوا عليه بعد عرض أفلامهم، ربما يكون فيه ظلم كبير، وبحث عن أسباب واهية لتبرير هذه الخسائر. وينطبق هذا أيضاً على فيلم “كابتن هيما” لتامر حسني الذي تراجع إيراده، مقارنة بالموسم الماضي بأكثر من نسبة 40 في المائة، فبعد أن حقق في فيلم “عمر وسلمى” ما يقارب 22 مليون جنيه؛ تراجع إلى 13 مليون جنيه في فيلمه الجديد، وكذلك مصطفى قمر الذي تراجع متوسط إيراده من 5 ملايين جنيه إلى أقل من مليون ونصف جنيه في فيلمه الجديد “مفيش فايدة”. في حين لم يتذمر منتجو الأفلام الجيدة -بالمعنى النسبي- التي عرضت خلال هذا العام، وحققت نتائج إيجابية، مثل أفلام “آسف على الإزعاج” لخالد مرعي، و”الريس عمر حرب” لخالد يوسف، و”كباريه” لسامح عبد العزيز، حيث تجاوز الأول سقف ال18 مليون جنيه، والفيلمان الآخران تجاوزا سقف ال11 مليوناً، وهذا يعتبر نجاحاً جيداً في ظل وضع السوق. ويبقى الرابح الأكبر هذا الموسم بعد الأفلام الثلاثة الأولى فيلم “إتش دبور” لأحمد الجندي، بغض النظر عن الملاحظات المسجلة عليه من قبل النقاد، ومن قبل المؤسسة الرسمية؛ إلا أنه أثبت عبر لغته الشبابية الجديدة إنه قادر على الوصول إلى الشباب، وتحقيقه إيرادات عالية وصلت إلى حدود المليون يومياً، ويتوقع له أن يكمل مشواره في موسم العيد إلى جانب فيلم “آسف على الإزعاج” وبعض الأفلام الأخرى التي حققت نجاحاً.